@ 58 @ أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفوسهم وإن قل نصيبهم ، وقالوا : كفانا فضل الله تعالى وصنعه ، وحسبنا ما قسم لنا سيرزقنا غنيمة أخرى ، فسيؤتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أكثر مما آتانا اليوم ، إنا إلى الله في أنْ يغنمنا ويخولنا فضله راغبون انتهى . وقال ابن عباس : راغبون فيما يمنحنا من الثواب ويصرف عنا من العقاب . وقال التبريزي : راغبون في أن يوسع علينا من فضله ، فيغنينا عن الصدقة وغيرها مما في أيدي الناس . وقيل : ما آتاهم الله بالتقدير ، ورسوله بالقسم انتهى . وأتى أولاً بمقام الرضا وهو فعل قلبي يصدر عمن علم أنه تعالى منزه عن العتب والخطأ عليم بالعواقب ، فكل قضائه صواب وحق ، لا اعتراض عليه . ثم ثنى بإظهار آثار الوصف القلبي وهو الإقرار باللسان ، فحسبنا ما رضي به . ثم أتى ثالثاً بأنه تعالى ما داموا في الحياة الدنيا مادّ لهم بنعمه وإحسانه ، فهو إخبار حسن إذ ما من مؤمن إلا ونعمُ الله مترادفة عليه حالاً ومآلاً ، إما في الدنيا ، وإما في الآخرة . ثم أتى رابعاً بالجملة المقتضية الالتجاء إلى الله لا إلى غيره ، والرغبة إليه ، فلا يطلب بالإيمان أخذ الأموال والرئاسة في الدنيا ولما كانت الجملتان متغايرتين وهما ما تضمن الرضا بالقلب ، وما تضمن الإقرار باللسان ، تعاطفتا . ولما كانت الجملتان الأخيرتان من آثار قولهم : حسبنا الله لم تتعاطفا ، إذ هما كالشرح لقولهم : حسبنا الله ، فلا تغاير بينهما . .
{ * } هذا وصف لحال المستقيمين في دينهم ، أي رضوا قسمة الله ورسوله وقالوا : كفانا فضل الله ، وعلقوا آمالهم بما سيؤتيه الله إياهم ، وكانت رغبتهم إلى الله لا إلى غيره . وجواب لو محذوف تقديره : لكان خيراً لهم في دينهم ودنياهم . وكان ذلك الفعل دليلاً على انتقالهم من النفاق إلى محض الإيمان ، لأنّ ذلك تضمن الرضا بقسم الله ، والإقرار بالله وبالرسول إذ كانوا يقولون : سيؤتينا الله من فضله ورسوله . وقيل : جواب لو هو قوله : وقالوا على زيادة الواو ، وهو قول كوفي . قال الزمخشري : والمعنى : ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفوسهم وإن قل نصيبهم ، وقالوا : كفانا فضل الله تعالى وصنعه ، وحسبنا ما قسم لنا سيرزقنا غنيمة أخرى ، فسيؤتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أكثر مما آتانا اليوم ، إنا إلى الله في أنْ يغنمنا ويخولنا فضله راغبون انتهى . وقال ابن عباس : راغبون فيما يمنحنا من الثواب ويصرف عنا من العقاب . وقال التبريزي : راغبون في أن يوسع علينا من فضله ، فيغنينا عن الصدقة وغيرها مما في أيدي الناس . وقيل : ما آتاهم الله بالتقدير ، ورسوله بالقسم انتهى . وأتى أولاً بمقام الرضا وهو فعل قلبي يصدر عمن علم أنه تعالى منزه عن العتب والخطأ عليم بالعواقب ، فكل قضائه صواب وحق ، لا اعتراض عليه . ثم ثنى بإظهار آثار الوصف القلبي وهو الإقرار باللسان ، فحسبنا ما رضي به . ثم أتى ثالثاً بأنه تعالى ما داموا في الحياة الدنيا مادّ لهم بنعمه وإحسانه ، فهو إخبار حسن إذ ما من مؤمن إلا ونعمُ الله مترادفة عليه حالاً ومآلاً ، إما في الدنيا ، وإما في الآخرة . ثم أتى رابعاً بالجملة المقتضية الالتجاء إلى الله لا إلى غيره ، والرغبة إليه ، فلا يطلب بالإيمان أخذ الأموال والرئاسة في الدنيا ولما كانت الجملتان متغايرتين وهما ما تضمن الرضا بالقلب ، وما تضمن الإقرار باللسان ، تعاطفتا . ولما كانت الجملتان الأخيرتان من آثار قولهم : حسبنا الله لم تتعاطفا ، إذ هما كالشرح لقولهم : حسبنا الله ، فلا تغاير بينهما . .
{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ اللَّهِ } : لما ذكر تعالى من يعيب الرسول في قسم الصدقات بأنه يعطي من يشاء ويحرم من يشاء ، أو يخص أقاربه ، أو يأخذ لنفسه ما بقي . وكانوا يسألون فوق ما يستحقون ، بيّن تعالى مصرف الصدقات ، وأنه صلى الله عليه وسلم ) إنما قسم على ما فرضه الله تعالى . ولفظه إنما إنْ كانت وضعت للحصر فالحصر مستفاد من لفظها ، وإن كانت لم توضع للحصر فالحصر مستفاد من الأوصاف ، إذ مناط الحكم بالوصف يقتضي التعليل به ، والتعليل بالشيء يقتضي الاقتصار عليه . والظاهر أنّ مصرف الصدقات هؤلاء الأصناف . والظاهر أن العطف مشعر بالتغاير ، فتكون الفقراء عين المساكين . والظاهر بقاء هذا الحكم للأصناف الثمانية دائماً ، إذ لم يرد نص في نسخ شيء منها . والظاهر أنه يعتبر في كل صنف منها ما دل عليه لفظه إن كان موجوداً ، والخلاف في كل شيء من هذه الظواهر . فأما أنّ مصرف الصدقات هؤلاء الأصناف ، فذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أنه يجوز أن يقتصر على بعض هؤلاء الأصناف ، ويجوز أن يصرف إلى جميعها . فمن الصحابة : عمر ، وعليّ ، ومعاذ ، وحذيفة ، وابن عباس ، ومن التابعين النخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو العالية ، وابن جبير ، قالوا : في أيّ صنف منها وضعتها أجزأتك . قال ابن جبير : لو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعففين فخيرتهم بها كان أحب إليّ . قال الزمخشري : وعليه مذهب أبي حنيفة قال غيره : وأبي يوسف ، ومحمد ، وزفر ، ومالك . وقال جماعة من التابعين : لا يجوز الاقتصار على أحد هذه الأصناف منهم : زين العابدين علي بن الحسين ، وعكرمة ، والزهري ، بل يصرف إلى الأصناف الثمانية . وقد كتب الزهري لعمر بن عبد العزيز : يفرّقها على الأصناف الثمانية ، وهو مذهب الشافعي قال : إلا المؤلفة ، فإنهم انقطعوا . وأما أنّ الفقراء غير المساكين ، فذهب جماعة من السلف إلى أنّ الفقير والمسكين سواء لا فرق بينهما في المعنى ، وإن افترقا في الاسم ، وهما صنف واحد سمي باسمين ليعطي سهمين نظراً لهم ورحمة . قال في التحرير : وهذا هو أحد قولي الشافعي . وذهب الجمهور إلى أنهما صنفان يجمعهما الإقلال والفاقة ، واختلفوا فيما به الفرق . فقال الأصمعي وغيره منهم أحمد بن حنبل وأحمد بن عبيد الفقير : أبلغ فاقة . وقال غيره منهم أبو حنيفة ، ويونس بن حبيب ، وابن السكيت ، وابن قتيبة المسكين : أبلغ فاقة ، لأنه لا شيء له . والفقير من له بلغة من الشيء . وقال الضحاك : الفقراء هم من المهاجرين ، والمساكين من لم يهاجر . وقال النخعي نحوه . وقال عكرمة : الفقراء من المسلمين ، والمساكين من أهل الذمة . لا نقول لفقراء المسلمين مساكين . وروى عنه بالعكس حكاه مكي . وقال الشافعي في كتاب ابن المنذر : الفقير من لا مال له ولا حرفة ، سائلاً كان أو متعففاً . والمسكين الذي له حرفة أو مال ولكن لا يغنيه ذلك سائلاً كان أو غير سائل . وقال قتادة : الفقير الزمن المحتاج ، والمسكين الصحيح المحتاج . وقال ابن عباس : والحسن ، ومجاهد ، والزهري ، وابن