@ 308 @ الفقهاء في ذلك ، واختلافهم حين فسر قوله تعالى : { اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } ، وليس في الآية ما يدل على شيء مما ذكر . .
الجنة : قال أبو القاسم البلخي ، وأبو مسلم الأصبهاني : كانت في الأرض ، قيل : بأرض عدن . والهبوط : الانتقال من بقعة إلى بقعة ، كما في قوله : { اهْبِطُواْ مِصْرًا } ، لأنها لو كانت دار الخلد لما لحقه الغرور من إبليس بقوله : { هَلْ أَدُلُّكَ } ، ولأن من دخل هذه الجنة لا يخرج منها لقوله : { وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } ، ولأن إبليس ملعون ، فلا يصل إلى جنة الخلد ، ولأن دار الثواب لا يفنى نعيمها لقوله : { أُكُلُهَا دَائِمٌ } ، ولأنه لا يجوز في حكمته أن يبتدىء الخلق في جنة يخلدهم ، ولأنه لا نزاع في أنه تعالى خلق آدم في الأض ، ولم يذكر في هذه القصة أنه نقله إلى السماء . ولو كان نقله إلى السماء لكان أولى بالذكر ، لأنه من أعظم النعم . وقال الجبائي : كانت في السماء السابعة لقوله : { اهْبِطُواْ } ، ثم الهبوط الأول كان من تلك السماء إلى السماء الأولى ، والهبوط الثاني كان من السماء إلى الأرض . وقالت الجمهور : هي في السماء ، وهي دار الثواب ، لأن الألف واللام في الجنة لا تفيد العموم ، لأن سكنى جميع الجنان محال ، فلا بد من صرفها إلى المعهود السابق ، والمعهود دار الثواب ، ولأنه ثبت في الصحيح في محاجة آدم موسى فقال له : يا آدم أنت أشقيت بنيك وأخرجتهم من الجنة ؟ فلم ينازعه آدم في ذلك . وقيل : هي السماء وليست دار الثواب ، بل هي جنة الخلد . وقيل : في السماء جنة غير دار الثواب وغير جنة الخلد . ورد قول من قال : إنها بستان في السماء ، فلم يصح أن في السماء بساتين غير بساتين الجنة . ومما استدل به من قال : إنها في الأرض قوله تعالى : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً } { وَلاَ * لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } ، { وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } . وقد لغا إبليس فيها وكذب وأخرج منها آدم وحوّاء ، ولأنها لو كانت دار الخلد لما وصل إليها إبليس ووسوس لهما حتى أخرجهما ، ولأن جنة الخلد دار نعيم وراحة وليست بدار تكليف . وقد تكلف آدم أن لايأكل من الشجرة ، ولأن إبليس كان من الجن المخلوقين من نار السموم . وقد نقل أنه كان من الجن الكفار الذين طردوا في الأرض ، ولو كانت جنة الخلد لما دخلها ، ولأنها محل تطهير ، فكيف يحسن أن يقع فيها العصيان والمخالفة ويحل بها غير المطهرين ؟ . .
وأجيب عن الآيات أنها محمولة على حالهم بعد دخول الاستقرار والخلود ، لا على دخولهم على سبيل المرور والجواز . فقد صح دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الجنة في ليلة المعراج وفي غيرها ، وأنه رآها في حديث الكسوف . وأما دخول إبليس إليها فدخول تسليط لا تكريم ، وذلك إن صح قالوا : والصحيح أنه لم يدخل الجنة وقف على بابها وكلمهما ، وأراد الدخول فردته الخزنة ، وقيل : دخل في جوف الحية مستتراً . وأما كونها ليست دار تكليف ، فذلك بعد دخولهم فيها للإقامة المستمرة والجزاء بالأعمال الصالحة . وأما الدخول الذي يعقبه الخروج بسبب المخالفة ، فلا ينافي التكليف بل لا يكون خالياً منه . .
{ وَكُلاًّ } : دليل على أن الخطاب لهما بعد وجود حوّاء ، لأن الأمر بالأكل للمعدوم فيه بعد ، إلا على تقدير وجوده ، والأصل في : كل أؤكل . الهمزة الأولى هي المجتلبة للوصل ، والثانية هي فاء الكلمة ، فحذفت الثانية لاجتماع المثلين حذف شذوذ ، فوليت همزة الوصل الكاف ، وهي متحركة ، وإنما اجتلبت للساكن ، فلما زال موجب اجتلابها زالت هي . قال ابن عطية وغيره : وحذفت النون من كلا للأمر ، انتهى كلامه . وهذا الذي ذكر ليس على طريقة البصريين ، فإن فعل الأمر عندهم مبني على السكون ، فإذا اتصل به ضمير بارز كانت حركة آخره مناسبة للضمير ، فتقول : كلى ، وكلا ، وكلوا ، وفي الإناث يبقى ساكناً نحو : كلن . وللمعتل حكم غير هذا ، فإذا كان هكذا فقوله : وكلا ، لم تكن فيه نون فتحذف للأمر ، وإنما يكون ما ذكره على مذهب الكوفيين ، حيث زعموا أن فعل الأمر معرب ، وأن أصل : كل التأكل ، ثم عرض فيه من الخذف بالتدريج إلى أن صار : كل . فأصل كلا : لتأكلا ، وكان قبل دخول لام الأمر عليه فيه نون ، إذ كان أصله : تأكلان ، فعلى قولهم يتم قول ابن عطية : إن