@ 174 @ ب وجهي للذي ابتدع العالم محل هذه النيرات المحدثات وغيرها ، واكتفى بالظرف عن المظروف لعمومه إذ هذه النيرات مظروف السموات ولما كانت الأصنام التي يعبدها قومه النيرات ومن خشب وحجارة وذكر ظرف النيرات عطف عليه الأرض التي هي ظرف الخشب والحجارة ، و { حَنِيفاً } مائلاً عن كل دين إلى دين الحق وهو عبادة الله تعالى مسلماً أي منقاداً إليه مستسلماً له . .
{ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ولما أنكر على أبيه عبادة الأصنام وضلله وقومه ، ثم استدل على ضلالهم بقضايا العقول إذ لا يذعنون للدليل السمعي لتوقفه في الثبوت على مقدمات كثيرة وأبدى تلك القضايا منوطة بالحس الصادق تبرأ من عبادتهم وأكد ذلك بأن ثم أخبر أنه وجه عبادته لمبدع العالم التي هذه النيرات المستدل بها ، بعضه ثم نفى عن نفسه أن يكون من المشركين مبالغة في التبريء منهم . .
{ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونّى فِى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِى } المحاجة مفاعلة من اثنين مختلفين في حكمين يدلي كل منهما بحجته على صحة دعواه ، والمعنى وحاجه قومه في توحيد الله ونفى الشركاء عنه منكرين لذلك ومحاجة مثل هؤلاء إنما هي بالتمسك باقتفاء آبائهم تقليداً وبالتخويف من ما يعبدونه من الأصنام كقول : قوم هود { إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء } فأجابهم بأن الله قد هداه بالبرهان القاطع على توحيده ورفض ما سواه وأنه لا يخاف من آلهتهم ، وقرأ نافع وابن عامر بخلاف عن هشام { أَتُحَاجُّونّى } بتخفيف النون وأصله بنونين الأولى علامة الرفع والثانية نون الوقاية والخلاف في المحذوف منهما مذكور في علم النحو ، وقد لحن بعض النحويين من قرأ بالتخفيف وأخطأ في ذلك ، وقال مكي : الحذف بعيد في العربية قبيح مكروه وإنما يجوز في الشعر للوزن والقرآن لا يحتمل ذلك فيه إذ لا ضرورة تدعو إليه وقول مكي ليس بالمرتضى ، وقيل : التخفيف لغة لغطفان ، وقرأ باقي السبعة بتشديد النون أصله أتحاجونني فأدغم هروباً من استثقال المثلين متحركين فخفف بالإدغام ولم يقرأ هناك بالفك وإن كان هو الأصل ويجوز في الكلام ، و { فِى اللَّهِ } متعلق بأتحاجوني لا بقوله وحاجة قومه والمسألة من باب الإعمال إعمال الثاني فلو كان متعلقاً بالأول لأضمر في الثاني ونظير { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَةِ } والجملة من قوله { وَقَدْ هَدَانَا } حالية أنكر عليهم أن تقع منهم محاجة له وقد حصلت من الله له الهداية لتوحيده فمحاجتهم لا تجدي لأنها داحضة . .
{ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبّى شَيْئاً } حكي أن الكفار قالوا لإبراهيم عليه السلام : أما خفت أن تصيبك آلهتنا ببرص أو داء لإذايتك لها وتنقيصك فقال لهم : لست أخاف الذي تشركون به لأنه لا قدرة له ولا غنى عنده و { مَا } بمعنى الذي والضمير في ( به ) عائد عليه رأي الذي تشركون به الله تعالى ويجوز ى ن يعود على الله أي : الذي تشركونه بالله في الربوبية { وَإِلاَّ * أَن يَشَاء رَبّى } قال ابن عطية استثناء ليس من الأول ولما كانت قوة الكلام أنه لا يخاف ضراً استثنى مشيئة ربه تعالى في أن يريد بضر انتهى ، فيكون استنثاءً منقطعاً وبه قال الحوفي فيصير المعنى لكن مشيئة الله إياي بضر أخاف وقال الزمخشري إلا أن يشاء ربي إلا وقت مشيئة ربي شيئاً يخاف فحذف الوقت يعني لا أخاف معبوداتكم في وقت قط لأنها لا تقدر ولا على مضرة إلا أن يشاء ربي أن يصيبني بمخوف من جهتها إن أصبت ذنباً أستوجب به إنزال المكروه مثل أن يرجمني بكوكب أو بشقة من الشمس والقمر ، أو يجعلها قادرة على مضرتي انتهى ، فيكون استثناءً متصلاً من عموم الأزمان الذي تضمنه النفي وجوز أبو البقاء أن يكون متصلاً ومنقطعاً إلا أنه جعله متصلاً مستثنى من الأحوال وقدره إلا في حال مشيئة ربي أي لا أخافها في كل حال إلا في هذه الحال ، وانتصب شيئاً على المصدر أي مشيئة أو على المفعول به . .
{ وَسِعَ رَبّى كُلَّ شَىْء عِلْماً } ذكر عقيب الاستثناء سعة علم الله في تعلقه بجميع الكوائن فقد لا يستبعد أن يتعلق علمه بإنزال المخوف بي إما من جهتها إن كان استثناءً متصلاً أو مطلقاً إن كان منقطعاً وانتصب علماً على التمييز المحول