@ 86 @ ذلك لله تعالى فيلزمهم بذلك أنه تعالى هو المالك المهلك لهم ، وهذا السؤال سؤال تبكيت وتقرير ثم أمره تعالى بنسبة ذلك لله تعالى ليكون أول من بادر إلى الاعتراف بذلك . وقيل : في الكلام حذف تقديره فإذا لم يجيبوا { قُل لِلَّهِ } وقال قوم : المعنى أنه أمر بالسؤال فكأنه لما لم يجيبوا سألوا فقيل لهم { قُل لِلَّهِ } ولله خبر مبتدأ محذوف التقدير قل ذلك أو هو لله . { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } لما ذكر تعالى أنه موجد العالم المتصرف فيهم بما يريد ، ودل ذلك على نفاذ قدرته أردفه بذكر رحمته وإحسانه إلى الخلق وظاهر كتب أنه بمعنى سطر وخط ، وقال به قوم هنا وأنه أريد حقيقة الكتب والمعنى أمر بالكتب في اللوح المحفوظ . وقيل : { كِتَابَ } هنا بمعنى وعد بها فضلاً وكرماً . وقيل : بمعنى أخبر . وقيل : أوجب إيجاب فضل وكرم لا إيجاب لزوم . وقيل : قضاها وأنفذها . وقال الزمخشري : أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ، ونصب الأدلة لكم على توحيد ما أنتم مقرون به من خلق السموات والأرض ، انتهى . و { الرَّحْمَةِ } هنا الظاهر أنها عامّة فتعم المحسن والمسيء في الدنيا ، وهي عبارة عن الاتصال إليهم والإحسان إليهم ولم يذكر متعلق الرحمة لمن هي فتعم كما ذكرنا . وقيل : الألف واللام للعهد ، فيراد بها الرحمة الواحدة التي أنزلها الله تعالى من المائة { الرَّحْمَةِ } التي خلقها وأخر تسعة وتسعين يرحم بها عباده في الآخرة . وقال الزجاج : { الرَّحْمَةِ } إمهال الكفار وتعميرهم ليتوبوا ، فلم يعاجلهم على كفرهم . وقيل : { الرَّحْمَةِ } لمن آمن وصدق الرسل . وفي صحيح مسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه ، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي . .
{ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ * لّلْعَالَمِينَ * فِيهِ } لما ذكر أنه تعالى رحم عباده ذكر الحشر وأن فيه المجازاة على الخير والشر ، وهذه الجملة مقسم عليها ولا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب وإن كانت من حيث المعنى متعلقة بما قبلها كما ذكرنا . وحكى المهدوي أن جماعة من النحويين قالوا : إنها تفسير للرحمة تقديره : أن يجمعكم ، فتكون الجملة في موضع نصب على البدل من { الرَّحْمَةِ } وهو مثل قوله { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ } المعنى أن يسجنوه ، وردّ ذلك ابن عطية بأن النون الثقيلة تكون قد دخلت في الإيجاب قال : وإنما تدخل في الأمر والنهي وباختصاص من الواجب في القسم ، انتهى . وهذا الذي ذكره لا يحصر مواضع دخول نون التوكيد ، ألا ترى دخولها في الشرط وليس واحداً مما ذكر نحو قوله تعالى : { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ } وكذلك قوله : وباختصاص من الواجب في القسم بهذا ليس على إطلاقه بل له شروط ذكرت في علم النحو ولهم أن يقولوا صورة الجملة صورة المقسم عليه ، فلذلك لحقت النون وإن كان المعنى على خلاف القسم ويبطل ما ذكروه ، إن الجملة المقسم عليها لا موضع لها وحدها من الإعراب ، فإذا قلت والله لأضربنّ زيداً ، فلأضربنّ لا موضع له من الإعراب فإذا قلت زيد والله لأضربنه ، كانت جملة القسم والمقسم عليه في موضع رفع والجمع هنا قيل حقيقة أي { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } في القبور إلى يوم القيامة ، والظاهر أن { إِلَى } للغاية والمعنى ليحشرنكم منتهين { إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وقيل : المعنى { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } في الدنيا يخلقكم قرناً بعد قرن إلى يوم القيامة وقد تكون { إِلَى } هنا بمعنى اللام أي ليوم القيامة ، كقوله تعالى : { إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } وأبعد من زعم أن { إِلَى } بمعنى في أي { فِى يَوْمٍ * الْقِيَامَةِ } وأبعد منه من ذهب إلى أنها صلة والتقدير { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } يوم القيامة ، والظاهر أن الضمير في { فِيهِ } عائد إلى يوم القيامة وفيه ردّ على من ارتاب في الحشر