@ 537 @ الإقدام أي : لا يكتفون في إظهار الفساد إلا بنقل أقدامهم بعضهم لبعض ، فيكون أبلغ في الاجتهاد ، والظاهر أنه يراد به العمل . والفعل أي : يجتهدون ، في كيد أهل الإسلام ومحوذ ذكر الرسول من كتبهم . والأرض يجوز أن يراد بها الجنس ، أو أرض الحجاز ، فتكون أل فيه للعهد . قال ابن عباس ومقاتل : فسادهم بالمعاصي . وقال الزجاج : بدفع الإسلام ومحو ذكر الرسول من كتبهم . وقيل : بسفك الدماء واستحلال المحارم . وقيل : بالكفر . وقيل : بالظلم ، وكل هذه الأقوال متقاربة . .
{ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } ظاهر المفسدين العموم ، فيندرج هؤلاء فيهم . وقيل : أل للعهد ، وهم هؤلاء . وانتفاء المحبة كناية عن كونه لا يعود عليهم بفضله وإحسانه ، فهؤلاء يثيبهم . وإذا لم يثبهم فهو معاقبهم ، إذ لا واسطة بين العقاب والثواب . .
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلاْدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ } . قيل : المراد أسلافهم ، ودخل فيها المعاصرون بالمعنى . والغرض الإخبار عن أولئك الذين أطفأ الله نيرانهم وأذلهم بمعاصيهم ، والذي يظهر أنهم معاصرو الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وفي ذلك ترغيب لهم في الدخول في الإسلام . وذكر شيئين وهما : الإيمان ، والتقوى . ورتب عليهم شيئين : قابل الإيمان بتكفير السيئات إذ الإسلام يجب ما قبله ، وترتب على التقوى وهي امتثال الأوامر واجتناب المناهي دخول جنة النعيم ، وإضافة الجنة إلى النعيم تنبيهاً على ما كانوا يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا . وقيل : واتقوا أي : الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ) ، وبعيسى عليه السلام . وقيل : المعاصي التي لعنوا بسببها . وقيل : الشرك . قال الزمخشري : ولو أنهم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ) وبما جاء به ، وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان ، لكفرنا عنهم تلك السيئات ، فلم نؤاخذهم بها ، ولأدخلناهم مع المسلمين الجنة . وفيه إعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم ، ودلالة على سعة رحمة الله تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى ، وأن الإيمان لا ينجى ولا يسعد إلا مشفوعاً بالتقوى كما قال الحسن : هذا العمود فأين الأطناب ؟ انتهى كلامه . وفيه من الاعتزال . وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان ، وقوله : وأن الإيمان لا ينجى ولا يسعد إلا مشفوعاً بالتقوى . .
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رَّبّهِمْ لاَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } هذا استدعاء لإيمانهم ، وتنبيه لهم على اتباع ما في كتبهم ، وترغيب لهم في عاجل الدنيا وبسط الرزق عليهم فيها ، إذ أكثر ما في التوراة من الموعود به على الطاعات هو الإحسان إليهم في الدنيا . ولمّا رغبهم في الآية قبل في موعود الآخرة من تكفير السيئات وإدخالهم الجنة ، رغبهم في هذه الآية في موعود الدنيا ليجمع لهم بين خيري الدنيا والآخرة ، وكان تقديم موعود الآخرة أهمّ لأنه هو الدائم الباقي ، والذي به النجاة السرمدية ، والنعيم الذي لا ينقضي . ومعنى إقامة التوراة والإنجيل : هو إظهار ما انطوت عليه من الأحكام والتبشير بالرسول والأمر باتباعه كقولهم : أقاموا السوق أي حركوها وأظهروها ، وذلك تشبيه بالقائم من الناس إذ هي أظهر هيآته . وفي قوله : والإنجيل دليل على دخول النصارى في لفظ أهل الكتاب . وظاهر قوله : وما أنزل إليهم من ربهم ، العموم في الكتب الإلهية مثل : كتاب أشعياء ، وكتاب حزقيل ، وكتاب دانيال ، فإنها مملوءة من البشارة بمبعث الرسول . وقيل : ما أنزل إليهم من ربهم هو القرآن . وظاهر قوله : لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، أنه استعارة عن سبوغ النعم عليهم ، وتوسعة الرزق عليهم ، كما يقال : قد عمه الرزق من فرقه إلى قدمه ولا فوق ولا تحت حكاه الطبري والزجاج . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدّي : لأعطتهم السماء مطرها وبركتها ، والأرض نباتها كما قال تعالى : { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالاْرْضِ } وذكر النقاش من فوقهم من رزق الجنة ، ومن تحت أرجلهم من روق الدنيا إذ هو من نبات الأرض . وقيل : من فوقهم كثرة