@ 536 @ .
{ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } علق بكثير ، لأن منهم مَن آمن ومن لا يزداد إلا طغياناً ، وهذا إعلام للرّسول بفرط عتوهم إذ كانوا ينبغي لهم أن يبادروا بالإيمان بسبب ما أخبرهم به الله تعالى على لسان رسوله من الأسرار التي يكتمونها ولا يعرفها غيرهم ، لكنْ رتبوا على ذلك غير مقتضاه ، وزادهم ذلك طغياناً وكفروا ، وذلك لفرط عنادهم وحسدهم . وقال الزجاج : كلما نزل عليك شيء كفروا به . وقال مقاتل : وليزيدن بني النضير ما أنزل إليك من ربك من أمر الرجم والدّماء . وقيل : المراد بالكثير علماء اليهود . وقيل : إقامتهم على الكفر زيادة منهم في الكفر . .
{ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } قيل : الضمير في بينهم عائد على اليهود والنصارى ، لأنه جرى ذكرهم في قوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } ولشمول قوله : { مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } للفريقين وهذا قول : الحسن ، ومجاهد . وقيل : هو عائد على اليهود ، إذ هم جبرية وقدرية وموحدة ومشبهة ، وكذلك فرق النصارى كالملكانية واليعقوبية والنسطورية . والذي يظهر أن المعنى لا يزالون متباغضين متعادين ، فلا يمكن اجتماع كلمتهم على قتالك ، ولا يقدرون على ضررك ، ولا يصلون إليك ولا إلى أتباعك ، لأن الطائفتين لا توادّ بينهم فيجتمعان على حربك . وفي ذلك إخبار بالمغيب ، وهو أنه لم يجتمع لحرب المسلمين جيشا يهود ونصارى مذ كان الإسلام إلى هذا الوقت . وأشار إلى هذا المعنى الزمخشري بقوله : فكلهم أبداً مختلف وقلوبهم شتى ، لا يقع اتفاق بينهم ، ولا تعاضد انتهى . والعداوة أخص من البغضاء ، لأن كل عدوّ مبغض ، وقد يبغض من ليس بعدوّ . وقال ابن عطية : وكأنّ العداوة شيء يشهد يكون عنه عمل وحرب ، والبغضاء لا تتجاوز النفوس انتهى كلامه . .
{ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ } قال قوم : هو على حقيقته وليس استعارة ، وهو أن العرب كانت تتواعد للقتال ، وعلامتهم إيقاد نار على جبل أو ربوة ، فيتبادرون والجيش يسري ليلاً فيوقد من مرّ بهم ليلاً النار فيكون إنذاراً ، وهذه عادة لنا مع الروم على جزيرة الأندلس ، يكون قريباً من ديارهم رئية للمسلمين مستخف في جبل في غار ، فإذا خرج الكفار لحرب المسلمين أوقد نار ، فإذا رآها رئية آخر قد أعدّ للمسلمين في قريب من ذلك الجبل أوقد ناراً ، وهكذا إلى أن يصل الخبر للمسلمين في أقرب زمان ، ويعرف ذلك من أي جهة نهر من الكفار ، فيعدّ المسلمون للقائهم . وقيل : إذا تراءى الجمعان وتنازل العسكران أوقدوا بالليل ناراً مخافة البيات ، فهذا أصل نار الحرب . وقيل : كانوا إذا تحالفوا على الجدّ في حربهم أوقدوا ناراً وتحالفوا ، فعلى كون النار حقيقة يكون معنى إطفائها أنه ألقى الله الرعب في قلوبهم فخافوا أن يغشوا في منازلهم فيضعون ، فلما تقاعدوا عنهم أطفؤها ، وأضاف تعالى الإطفاء إليه إضافة المسبب إلى سببه الأصلي . .
وقال الجمهور : هو استعارة ، وإيقاد النار عبارة عن إظهار الحقد والكيد والمكر بالمؤمنين والاغتيال والقتال ، وإطفاؤها صرف الله عنهم ذلك ، وتفرّق آرائهم ، وحل عزائمهم ، وتفرّق كلمتهم ، وإلقاء الرعب في قلوبهم . فهم لا يريدون محاربة أحد إلا غلبوا وقهروا ، ولم يقم لهم نصر من الله تعالى على أحد ، وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس . وقيل : خالفوا اليهود فبعث الله عليهم بختنصر ، ثم أفسدوا فسلط الله عليهم بطريق الرومي ، ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المجوس ، ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المسلمين . وقال قوم : هذا مثل ضرب لاجتهادهم في المحاربة ، والتهاب شواظ قلوبهم ، وغليان صدورهم . ومنه الآن حمى الوطيس للجد في الحرب ، وفلان مسعر حرب يهيجها ببسالته ، وضرب الإطفاء مثلاً لإرغام أنوفهم وخذلانهم في كل موطن . قال مجاهد : هي تبشير للرسول بأنهم كلما حاربوه نصر عليهم ، وإشارة إلى حاضريه من اليهود . وقال السدّي والربيع وغيرهما : هي إخبار عن أسلافهم منذ عصور هدّ الله ملكهم ، فلا ترفع لهم راية إلى يوم القيامة ، ولا يقاتلون جميعاً إلا في قرى محصنة . وقال قتادة : لا تلقى اليهود ببلدة إلا وجدتهم من أذلّ الناس . .
{ وَيَسْعَوْنَ فِى الاْرْضِ فَسَاداً } يحتمل أن يريد بالسعي نقل