@ 258 @ اشتبه عليهم . فقالوا : هذا الذي رزقنا من قبل ، وقال مجاهد ، وابن زيد : يعني بقوله : من قبل في الدنيا ، والمعنى أنه مثله في الصورة ، فالقبلية على القولين الأولين تكون في الجنة ، وعلى هذا القول تكون في الدنيا . وقال بعض المفسرين : معناه هذا الذي وعدنا في الدنيا أن نرزقه في الآخرة ، فعلى هذا القول يكون المبتدأ ، هو نفس الخبر ، ولا يكون التقدير مثل : وعبر عن الوعد بمتعلقه وهو الرزق ، وهو مجاز ، فلصدق الوعد به صار كأنهم رزقوه في الدنيا ، وكون الخبر يكون غير المبتدأ أيضاً مجاز ، إلا أن هذا المجاز أكثر وأسوغ . وعلى هذا القول تكون القبلية أيضاً في الدنيا ، لأن الوعد وقع فيها إلا أن كون القبلية في الدنيا يبعده دخول من على قبل لأنها لابتداء الغاية ، فهذا موضع قبل لا موضع من ، لأن بين الزمانين تراخياً كثيراً ، ومن تشعر بابتداء القبلية فتنافي التراخي والابتداء . وإذا كانت القبلية في الآخرة كان في ذلك إشكال من حيث إن الرزق الأول الذي رزقوه لا يكون له مثل رزقوه قبل لأن الفرض أنه أول ، فإذا كان أول لم يكن قبله شيء رزقوه . قال ابن عطية : هذا إشارة إلى الجنس ، أي هذا من الجنس الذي رزقناه من قبل ، انتهى كلامه . وليس هذا إشارة إلى الجنس ، بل هذا إشارة إلى الرزق . وكيف يكون إشارة إلى الجنس وقد فسر قوله بعد من الجنس الذي رزقناه من قبل ؟ فكأنه قال : هذا الجنس من الجنس الذي رزقنا من قبل ، وأنت ترى هذا التركيب كيف هو . ولعل الناقل صحف مثل بمن ، فكان التقدير هذا الجنس مثل الجنس الذي رزقنا من قبل ، والأظهر أنه تصحيف ، لأن التقدير من الجنس بعيد ، وإنما يصح ذلك على ضرب من التجوز من إطلاق كل ، ويراد به بعض فتقول : هذا من بني تميم ، ثم تتجوز فتقول : هذا بنو تميم ، تجعله كل بني تميم مجازاً توسعاً . ومعمول القول جملة خبرية يخاطب بها بعضهم بعضاً ، وليس ذلك على معنى التعجب ، قاله : جماعة . وقال ابن عباس يقولون ذلك على طريق التعجب . قال الحسن ومجاهد : يرزقون الثمرة ثم يرزقون بعدها مثل صورتها ، والطعم مختلف ، فهم يتعجبون لذلك ويخبر بعضهم بعضاً . .
قال ابن عباس : ليس في الجنة شيء مما في الدنيا سوى الأسماء ، وأما الذوات فمتباينة . وقراءة الجمهور : وأتوا مبنياً للمفعول وحذف الفاعل للعلم به ، وهو الحذم والولدان . يبين ذلك قراءة هارون الأعور والعتكي . وأتوا به على الجمع ، وهو إضمار لدلالة المعنى عليه . ألا ترى إلى قوله تعالى : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ } إلى قوله تعالى : { وَفَاكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } ؟ فدل ذلك على أن الولدان هم الذين يأتون بالفاكهة ، والضمير في قوله تعالى : به ، عائد على الرزق ، أي : وأتوا بالرزق الذي هو من الثمار ، كما أن هذا إشارة إليه . قال الزمخشري : قال قلت : إلام يرجع الضمير في قوله : وأتوا به ؟ قلت : إلى المرزوق في الدنيا والآخرة ، لأن قوله : { هَاذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين ، انتهى كلامه . أي لما كان التقدير هذا مثل الذي رزقناه كان قد انطوى على المرزوقين معاً . ألا ترى أنك إذا قيل : زيد مثل حاتم ، كان منطوياً على ذكر زيد وحاتم ؟ وما ذكره الزمخشري غير ظاهر الآية ، لأن ظاهر الكلام يقتضي أن يكون الضمير عائداً على مرزوقهم في الآخرة فقط ، لأنه هو المحدث عنه والمشبه بالذي رزقوه من قبل ، مع أنه إذا فسرت القبلية بما في الجنة تعين أن لا يعود الضمير إلا إلى المرزوق في الجنة ، كأنه قال : وأتوا بالمرزوق في الجنة متشابهاً ، ولا سيما إذا أعربت الجملة حالاً ، إذ يصير التقدير قالوا : هذا مثل الذي رزقنا من قبل . وقد أتوا به