@ 257 @ لهم جنات صفتها كذا ، هجس في النفوس حيث ذكرت الجنة الحديث عن ثمار الجنات ، وتشوقت إلى ذكر كيفية أحوالها ، فقيل لهم : { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً } ، وأجيز أن تكون الجملة لها موضع من الإعراب : نصب على تقدير كونها صفة للجنات ، ورفع : على تقدير خبر مبتدأ محذوف . ويحتمل هذا وجهين : إما أن يكون المبتدأ ضميراً عائداً على الجنات ، أي هي { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا } ، أو عائداً على { الَّذِينَ كَفَرُواْ } ، أي هم كلما رزقوا ، والأولى الوجه الأول لاستقلال الجملة فيه لأنها في الوجهين السابقين تتقدّر بالمفرد ، فهي مفتقرة إلى الموصوف ، أو إلى المبتدأ المحذوف . وأجاز أبو البقاء أن تكون حالاً من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام ، ولا يتم له ذلك إلا على تقدير أن يكون الحال مقدرة ، لأنهم وقت التبشير لم يكونوا مرزوقين على الدوام . وأجاز أيضاً أن تكون حالاً من جنات لأنها نكرة قد وصفت بقوله : تجري ، فقربت من المعرفة ، وتؤول أيضاً إلى الحال المقدرة . والأصل في الحال أن تكون مصاحبة ، فلذلك اخترنا في إعراب هذه الجملة غير ما ذكره أبو البقاء . ومن : في قوله : منها ، هي لابتداء الغاية ، وفي : من مثمرة كذلك ، لأنه بدل من قوله : منها ، أعيد معه حرف كقوله تعالى : { كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا } ، على أحد الاحتمالين ، وكلتاهما تتعلق برزقوا على جهة البدل ، كما ذكرناه ، لأن الفعل لا يقضي حرفي جر في معنى واحد إلا بالعطف ، أو على طريقة البدل ، وهذا البدل هو بدل الاشتمال . وقد طول الزمخشري في إعراب قوله : من ثمرة ، ولم يفصح بالبدل ، لكن تمثيله يدل على أنه مراده ، وأجاز أن يكون من ثمرة بياناً على منهاج قولك : رأيت منك أسداً ، تريد أنت أسد ، انتهى كلامه . وكون من للبيان ليس مذهب المحققين من أهل العربية ، بل تأولوا ما استدل به من أثبت ذلك ، ولو فرضنا مجيء من للبيان ، لما صح تقديرها للبيان هنا ، لأن القائلين بأن من للبيان قدروها بمضمر وجعلوه صدراً لموصول صفة ، إن كان قبلها معرفة ، نحو : { فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الاْوْثَانِ } ، أي الرجس الذي هو الأوثان ، وإن كان قبلها نكرة ، فهو يعود على تلك النكرة نحو : من يضرب من رجل ، أي هو رجل ، ومن هذه ليس قبلها ما يصلح أن يكون بياناً له ، لا نكرة ولا معرفة ، إلا إن كان يتمحل لذلك أنها بيان لما بعدها ، وأن التقدير : كلما رزقوا منها رزقاً من ثمرة ، فتكون من مبينة لرزقاً ، أي : رزقاً هو ثمرة ، فيكون في الكلام تقديم وتأخير . فهذا ينبغي أن ينزه كتاب الله عن مثله . وأما : رأيت منك أسداً ، فمن لابتداء الغاية أو للغاية ابتداء وانتهاء ، نحو : أحدته منك ، ولا يراد بثمرة الشخص الواحد من التفاح أو الرمان أو غير ذلك ، بل المراد ، والله أعلم ، النوع من أنواع الثمار . قال الزمخشري : وعلى هذا ، أي على تقدير أن تكون من بياناً يصح أن يراد بالثمرة النوع من الثمار ، والجنات الواحدة ، انتهى كلامه . وقد اخترنا أن من لا تكون بياناً فلا نختار ما ابتنى عليه ، مع أن قوله : والجنات الواحدة مشكل يحتاج فهمه إلى تأمل ، ورزقاً هنا هو المرزوق ، والمصدر بعيد جداً لقوله : { هَاذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ * كِتَاباً مُّتَشَابِهاً } ، فإن المصدر لا يؤتى به متشابهاً ، إنما هذا من الإخبار عن المرزوق لا عن المصدر . .
{ قَالُواْ هَاذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } ، قالوا : هو العامل في كلما ، وهذا الذي : مبتدأ معمول للقول . فالجملة في موضع مفعول ، والمعنى : هذا ، مثل : الذي رزقنا ، فهو من باب ما الخبر شبه به المبتدأ ، وإنما احتيج إلى هذا الإضمار ، لأن الحاضر بين أيديهم في ذلك الوقت يستحيل أن يكون عين الذي تقدم إن رزقوه ، ثم هذه المثلية المقدرة حذفت لاستحكام الشبه ، حتى كأن هذه الذات هي الذات ، والعائد على الذي محذوف ، أي رزقناه ، ومن متعلقة برزقناً ، وهي لابتداء الغاية . وقيل : مقطوع عن الإضافة ، والمضاف إليه معرفة محذوف لدلالة المعنى عليه وتقديره من قبله : أي من قبل المرزوق . واختلف المفسرون في تفسير ذلك ، فقال ابن عباس ، والضحاك ، ومقاتل : معناه رزق الغداة كرزق العشي . وقال يحيى بن أبي كثير ، وأبو عبيد : ثمر الجنة إذا جني خلفه مثله ، فإذا رأوا ما خلف المجني