@ 453 @ أو الغسل وسنية ذلك . .
{ وإن كنتم جنباً فاطهروا } لما ذكر تعالى الطهارة الصغرى ذكر الطهارة الكبرى ، وتقدم مدلول الجنب في { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } والظاهر أنّ الجنب مأمور بالاغتسال . وقال عمر ، وابن مسعود : لا يتيمم الجنب البتة ، بل يدع الصلاة حتى يجد الماء ، والجمهور على خلاف ذلك ، وأنه يتيمم ، وقد رجعا إلى ما عليه الجمهور . والظاهر أنّ الغسل والمسح والتطهر إنما تكون بالماء لقوله : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء } أي للوضوء والغسل فتيمموا صعيداً طيباً فدل على أنه لا واسطة بين الماء والصعيد ، وهو قول الجمهور . وذهب الأوزاعي والأصم : إلى أنه يجوز الوضوء والغسل بجميع المائعات الطاهرة . والظاهر أنّ الجنب لا يجب عليه غير التطهير من غير وضوء . ولا ترتيب في الأعضاء المغسولة ، ولا دلك ، ولا مضمضة ، ولا استنشاق ، بل الواجب تعميم جسده بوصول الماء إليه . وقال داود وأبو ثور : يجب تقديم الوضوء على الغسل . وقال إسحاق : تجب البداءة بأعلى البدن . وقال مالك : يجب الدلك ، وروى عنه محمد بن مروان الظاهري : أنه يجزئه الانغماس في الماء دون تدلك . وقال أبو حنيفة : وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والليث ، وأحمد : تجب المضمضة والاستنشاق فيه ، وزاد أحمد الوضوء . وقال النخعي : إذا كان شعره مفتولاً جدّاً يمنع من وصول الماء إلى جلدة الرأس لا يجب نقضه . وقرأ الجمهور : فاطّهروا بتشديد الطاء والهاء المفتوحتين ، وأصله : تطهروا ، فأدغم التاء في الطاء ، واجتلبت همزة الوصل . وقرىء : فاطْهروا بسكون الطاء ، والهاء مكسورة من أطهر رباعياً ، أي : فأطهروا أبدانكم ، والهمزة فيه للتعدية . .
{ وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } تقدّم تفسير هذه الجملة الشرطية وجوابها في النساء ، إلا أنّ في هذه الجملة زيادة منه وهي مرادة في تلك التي في النساء . وفي لفظه : منه دلالة على إيصال شيء من الصعيد إلى الوجه واليدين ، فلا يجوز التيمم بما لا يعلق باليد كالحجر والخشب والرمل العاري عن أن يعلق شيء منه باليد فيصل إلى الوجه ، وهذا مذهب الشافعي . وقال أبو حنيفة ، ومالك : إذا ضرب الأرض ولم يعلق بيده شيء من الغبار ومسح بها أجزأه . وظاهر الأمر بالتيمم للصعيد ، والأمر بالمسح ، أنه لو يممه غيره ، أو وقف في مهب ريح فسفت على وجهه ويديه وأمرّ يده عليه ، أو لم يمر ، أو ضرب ثوباً فارتفع منه غبار إلى وجهه ويديه ، أنّ ذلك لا يجزئه . وفي كل من المسائل الثلاث خلاف . .
{ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ } أي من تضييق ، بل رخص لكم في تيمم الصعيد عند فقد الماء . والإرادة صفة ذات ، وجاءت بلفظ المضارع مراعاة للحوادث التي تظهر عنها ، فإنها تجيء مؤتنقة من نفي الحرج ، ووجود التطهير ، وإتمام النعمة . وتقدم الكلام على مثل اللام في ليجعل في قوله : { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ } فأغنى عن إعادته . ومن زعم أنّ مفعول يريد محذوف تتعلق به اللام ، جعل زيادة من في الواجب للنفي الذي في صدر الكلام ، وإن لم يكن النفي واقعاً على فعل الحرج ، ويجري مجرى هذه الجملة ما جاء في الحديث ( دين الله يسر ) وبعثت بالحنيفية السمحة ) وجاء لفظ الدين بالعموم ، والمقصود به الذي ذكر بقرب وهو التيمم . .
{ وَلَاكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ } أي بالتراب إذا أعوزكم التطهر بالماء . وفي الحديث : ( التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ) . وقال الجمهور : المقصود بهذا التطهير إزالة النجاسة الحكمية الناشئة عن خروج الحدث . وقيل : المعنى ليطهركم من أدناس الخطايا بالوضوء والتيمم ، كما جاء في مسلم : ( سقط : إذا تؤضأ العبد المسلم ، أو المؤمن فغسل وجهه ، خرج من وجهه كل خطيئة نظر