@ 448 @ ثم قال بعد { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ } ( قلت ) : إطلاق لفظ أهل الكتاب ينصرف إلى اليهود والنصارى دون المسلمين ودون سائر الكفار ، ولا يطلق على مسلم أنه من أهل الكتاب ، كما لا يطلق عليه يهودي ولا نصراني . فأما الآيتان فأطلق الاسم مقيداً بذكر الإيمان فيهما ، ولا يوجد مطلقاً في القرآن بغير تقييد ، إلا والمراد بهم اليهود والنصارى . وأيضاً فإنه قال : والمحصنات من المؤمنات ، فانتظم ذلك سائر المؤمنات ممن كن مشركات أو كتابيات ، فوجب أن يحمل قوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، على الكتابيات اللاتي لم يسلمن وإلاّ زالت فائدته ، إذ قد اندرجن في قوله : والمحصنات من المؤمنات . وأيضاً فمعلوم من قوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } أنه لم يرد به طعام المؤمنين الذين كانوا من أهل الكتاب ، بل المراد اليهود والنصارى ، فكذلك هذه الآية . .
( فإن قيل ) : يتعلق في تحريم الكتابيات بقوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ( قيل ) : هذا في الحربية إذا خرج زوجها مسلماً ، أو الحربي تخرج امرأته مسلمة : ألا ترى إلى قوله : { ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ } ولو سلمنا العموم لكان مخصوصاً بقوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، والظاهر جواز نكاح الحربية الكتابية لاندراجها في عموم . والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم . وخص ابن عباس هذا العموم بالذمية ، فأجاز نكاح الذمية دون الحربية ، وتلا قوله تعالى : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } إلى قوله { وَهُمْ صَاغِرُونَ } ولم يفرق غيره من الصحابة من الحربيات والذميات . وأما نصارى بني تغلب فمنع نكاح نسائهن عليّ وابراهيم وجابر بن زيد ، وأجازه ابن عباس . .
{ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ } أي مهورهن . وانتزع العلماء من هذا أنه لا ينبغي أن يدخل زوج بزوجته إلا بعد أن يبذل لها من المهر ما يستحلها به ، ومن جوز أن يدخل دون بذل ذلك رأى أنه محكم الالتزام في حكم المؤتى . وفي ظاهر قوله : إذا آتيتموهن أجورهن ، دلالة على أنّ إماء الكتابيات لسن مندرجات في قوله : والمحصنات ، فيقوى أن يراد به الحرائر ، إذ الإماء لا يعطون أجورهن ، وإنما يعطي السيد . إلا أن يجوز فنجعل إعطاء السيد إعطاء لهن . وفيه دلالة أيضاً على أن أقل الصداق لا يتقدر ، إذ سماه أجراً ، والأجر في الإجارات لا يتقدر . .
{ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ } تقدم تفسيره نظيره في النساء . .
{ وَمَن يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الاْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } سبب نزولها فيما رواه أبو صالح عن ابن عباس : أنه تعالى لما أرخص في نكاح الكتابيات قلن بينهن : لولا أن الله رضي ديننا وقبل عملنا لم يبح للمؤمنين تزويجنا ، فنزلت . وقال مقاتل : فيما أحصن المسلمون من نكاح نساء أهل الكتاب يقول : ليس إحصان المسلمين إياهن بالذي يخرجهن من الكفر انتهى . ولما ذكر فرائض وأحكاماً يلزم القيام بها ، أنزل ما يقتضي الوعيد على مخالفتها ليحصل تأكيد الزجر عن تضييعها . وقال القفال : ما معناه ، لما حصلت لهم في الدنيا فضيلة مناكحة نسائهم ، وأكل ذبائحهم ، من الفرق في الآخرة بأنَّ من كفر حبط عمله انتهى . والكفر بالإيمان لا يتصور . فقال ابن عباس ، ومجاهد : أي : ومن يكفر بالله . وحسن هذا المجاز أنه تعالى رب الإيمان وخالقه . وقال الكلبي : ومن يكفر بشهادة أن لا إله إلا الله ، جعل كلمة التوحيد إيماناً . وقال قتادة : إن ناساً من المسلمين قالوا : كيف نتزوج نساءهم مع كونهم على غير ديننا ؟ فأنزل الله تعالى : ومن كفر بالإيمان ، أي بالمنزل في القرآن ، فسمي القرآن إيماناً لأنه المشتمل على بيان كل ما لا بد منه في الإيمان . قال الزجاج : معناه من أحل ما حرم الله ، أو حرم ما أحل الله فهو كافر . وقال أبو سليمان الدمشقي : من جحد ما أنزله الله من شرائع الإسلام وعرفه من الحلال والحرام . وتبعه الزمخشري في هذا التفسير فقال : ومن يكفر بالإيمان أي : بشرائع الإسلام ، وما أحل الله وحرم . وقال ابن