@ 447 @ الذبيحة وذكر غير الله لم تؤكل وبه قال : أبو الدرداء ، وعبادة بن الصامت ، وجماعة من الصحابة . وبه قال : أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وزفر ، ومالك . وكره النخعي والثوري أكل ما ذبح وأهلّ به لغير الله . وظاهر قوله : ( أوتوا الكتاب ) أنه مختص ببني إسرائيل والنصارى الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل ، دون مَن دخل في دينهم من العرب أو العجم ، فلا تحل ذبائحهم لنا كنصارى بني تغلب وغيرهم . وقد نهى عن ذبائحهم عليّ رضي الله عنه ، وقال : لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر . وذهب الجمهور ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وابن المسيب ، والشعبي ، وعطاء ، وابن شهاب ، والحكم ، وقتادة ، وحماد ، ومالك ، وأبو حنيفة وأصحابه : أنه لا فرق بين بني إسرائيل والنصارى ومن تهوّد أو تنصر من العرب أو العجم في حل أكل ذبيحتهم . والظاهر أنّ ذبيحة المجوسي لا تحل لنا لأنهم ليسوا من الذين أوتوا الكتاب . وما روي عن مالك أنه قال : هم أهل كتاب وبعث إليهم رسول يقال : رزادشت لا يصح . وقد أجاز قوم أكل ذبيحتهم مستدلين بقوله : { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } . وقال ابن المسيب : إذا كان المسلم مريضاً فأمر المجوسي أن يذكر الله ويذبح فلا بأس . وقال أبو ثور : وإنْ أمر بذلك في الصحة فلا بأس . والظاهر أنّ ذبيحة الصابىء لا يجوز لنا أكلها ، لأنهم ليسوا من الذين أوتوا الكتاب . وخالف أبو حنيفة فقال : حكمهم حكم أهل الكتاب . وقال صاحباه : هم صنفان ، صنف يقرؤون الزبور ويعبدون الملائكة ، وصنف لا يقرؤون كتاباً ويعبدون النجوم ، فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب . .
{ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } أي : ذبائحكم وهذه رخصة للمسلمين لا لأهل الكتاب . لما كان الأمر يقتضي أن شيئاً شرعت لنا فيه التذكية ، ينبغي لنا أن نحميه منهم ، فرخص لنا في ذلك رفعاً للمشقة بحسب التجاوز ، فلا علينا بأس أن نطعمهم ولو كان حراماً عليهم طعام المؤمنين ، لما ساغ للمؤمنين إطعامهم . وصار المعنى : أنه أحل لكم أكل طعامهم ، وأحل لكم أن تطعموهم من طعامكم ، والحل الحلال ويقال في الاتباع هذا حل بل . .
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ } هذا معطوف على قوله : وطعام الذين أوتوا الكتاب . والمعنى : وأحل لكم نكاح المحصنات من المؤمنات . .
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } والإحصان أن يكون بالإسلام وبالتزويج ، ويمتنعان هنا ، وبالحرية وبالعفة . فقال عمر بن الخطاب ، ومجاهد ، ومالك ، وجماعة : الإحصان هنا الحريّة ، فلا يجوز نكاح الأمة الكتابية . وقال جماعة : منهم مجاهد ، والشعبي ، وأبو ميسرة ، وسفيان ، الإحصان هنا العفة ، فيجوز نكاح الأمة الكتابية . ومنع بعض العلماء من نكاح غير العفيفة بهذا المفهوم الثاني . قال الحسن : إذا اطلع الإنسان من امرأته على فاحشة فليفارقها . وعن مجاهد : يحرم البغايا من المؤمنات ومن أهل الكتاب . وقال الشعبي إحصان اليهودية والنصرانية أن لا تزني ، وأن تغتسل من الجنابة . وقال عطاء : رخص في التزويج بالكتابية ، لأنه كان في المسلمات قلة ، فأما الآن ففيهنّ الكثرة ، فزالت الحاجة إليهن . والرخصة في تزويجهن ولا خلاف بين السلف وفقهاء الأمصار في إباحة نكاح الحرائر الكتابيات ، واتفق على ذلك الصحابة إلا شيئاً روي عن ابن عمر أنه سأله رجل عن ذلك فقال : اقرأ آية التحليل يشير إلى هذه الآية ، وآية التحريم يشير إلى { وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ } وقد تقدم ذلك في سورة البقرة في قوله : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن . .
وتزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه نايلة بنت الفرافصة الكلبية على نسائه ، وتزوج طلحة بن عبد الله يهودية من الشام ، وتزوج حذيفة يهودية . ( فإن قلت ) : يكون ثم محذوف أي : والمحصنات اللاتي كن كتابيات فأسلمن ، ويكون قد وصفهن بأنهن من الذين أوتوا الكتاب باعتبار ما كن عليه كما قال : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ } . وقال : { مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ }