@ 411 @ أي لحم متبع ، ويتعلق بحرمنا . وتقدم السبب على المسبب تنبيهاً على فحش الظلم وتقبيحاً له وتحذيراً منه . والطيبات هي ما ذكر في قوله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ * سَوَاء عَلَيْهِمْ } الألبان وبعض الطير والحوت ، وأحلت لهم صفة الطيبات بما كانت عليه . وأوضح ذلك قراءة ابن عباس : طيبات كانت أحلت لهم . .
{ وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً } أي ناساً كثيراً ، فيكون كثيراً مفعولاً بالمصدر ، وإليه ذهب الطبري . قال : صدوا بجحدهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم ) جمعاً عظيماً من الناس ، أو صد كثيراً . وقدره بعضهم زماناً كثيراً . .
{ وَأَخْذِهِمُ الرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } وهذه جملة حالية تفيد تأكيد قبح فعلهم وسوء صنيعهم ، إذ ما نهى الله عنه يجب أن يبعد عنه . قالوا : والربا محرم في جميع الشرائع . .
{ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ } أي الرشا التي كانوا يأخذونها من سفلتهم في تحريف الكتاب . وفي هذه الآية فصلت أنواع الظلم الموجب لتحريم الطيبات . قيل : كانوا كلما أحدثوا ذنباً حرم عليهم بعض الطيبات ، وأهمل هنا تفصيل الطيبات ، بل ذكرت نكرة مبهمة . وفي المائدة فصل أنواع ما حرم ولم يفصل السبب . فقيل : ذلك جزيناهم ببغيهم ، وأعيدت الباء في : { وَبِصَدّهِمْ } لبعده عن المعطوف عليه بالفصل بما ليس معمولاً للمعطوف عليه ، بل في العامل فيه . ولم يعد في : { وَأَخْذِهِمُ } وأكلهم لأن الفصل وقع بمعمول المعطوف عليه . ونظير إعادة الحرف وترك إعادته قوله : { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ } الآية . وبدىء في أنواع الظلم بما هو أهم ، وهو أمر الدّين ، وهو الصد عن سبيل الله ، ثم بأمر الدنيا وهو ما يتعلق به الأذى في بعض المال ، ثم ارتقى إلى الأبلغ في المال الدنيوي وهو أكله بالباطل أي مجاناً لا عوض فيه . وفي ذكر هذه الآية امتنان على وجه الأمة حيث لم يعاملهم معاملة اليهود فيحرم عليهم في الدنيا الطيبات عقوبة لهم بذنوبهم . .
{ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً * مُّهِيناً } لما ذكر عقوبة الدنيا ذكر ما أعد لهم في الآخرة . ولما كان ذلك التحريم عامّاً لليهود بسبب ظلم من ظلم منهم ، فالتزمه ظالمهم وغير ظالمهم كما قال تعالى : { وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } بين أن العذاب الأليم إنما أعد للكافرين منهم ، فلذلك لم يأت وأعتدنا لهم . .
{ لَّاكِنِ الرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَواةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَواةَ وَالْمُؤْمِنُونَ } مجيء لكنْ هنا في غاية الحسن ، لأنها داخلة بين نقيضين وجزائهما ، وهم : الكافرون والعذاب الأليم ، والمؤمنون والأجر العظيم ، والراسخون الثابتون المنتصبون المستبصرون منهم : كعبد الله بن سلام وأضرابه ، والمؤمنون يعني منهم ، أو المؤمنون عن المهاجرين والأنصار . والظاهر أنه عام في مَن آمن . .
وارتفع الراسخون على الابتداء ، والخبر يؤمنون لا غير ، لأن المدح لا يكون إلا بعد تمام الجملة . ومن جعل الخبر أولئك سنؤتيهم فقوله ضعيف ، وانتصب المقيمين على المدح ، وارتفع والمؤتون أيضاً على إضمار وهم على سبيل القطع إلى الرفع . ولا يجوز أن يعطف على المرفوع قبله ، لأنّ النعت إذا انقطع في شيء منه لم يعد ما بعده إلى إعراب المنعوت ، وهذا القطع لبيان فضل الصلاة والزكاة ، فكثر الوصف بأن جعل في جمل . .
وقرأ ابن جبير ، وعمرو بن عبيد ، والجحدري ، وعيسى بن عمر ، ومالك بن دينار ، وعصمة عن الأعمش ويونس وهارون عن أبي عمرو : والمقيمون بالرفع نسقاً على الأول ، وكذا هو في مصحف ابن مسعود ، قاله الفراء . وروي أنها كذلك في مصحف أُبيّ . وقيل : بل هي فيه ، والمقيمين الصلاة كمصحف عثمان . وذكر عن عائشة وأبان بن عثمان : أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف ، ولا يصح عنهما ذلك ، لأنهما عربيان فصيحان ، قطع النعوت أشهر في لسان العرب ، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره ، وعلى القطع خرج سيبويه ذلك . .
قال الزمخشري : ولا نلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحناً في خط المصحف ، وربما التفت إليه من ينظر في الكتاب ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتتان ، وعنى عليه : أنّ السابقين الأوّلين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في