@ 385 @ على الإنسان من نفسه ، ثم ذكر الوالدين وهما أقرب إلى الإنسان وسبب نشأته ، وقد أمر ببرهما وتعظيمهما ، والحوطة لهما ، ثم ذكر الأقربين وهم مظنة المحبة والتعصب . وإذا كان هؤلاء أمر في حقهم بالقسط والشهادة عليهم ، فالأجنبي أحرى بذلك . والآية تعرضت للشهادة عليهم لا لهم ، فلا دلالة فيها على الشهادة لهم ، كما ذهب إليه بعض المفسرين . ولو شرطية بمعنى : أنّ وقوله على أنفسكم متعلق بمحذوف ، لأن التقدير : وإن كنتم شهداء على أنفسكم فكونوا شهداء لله ، هذا تقرير الكلام . وحذف كان بعد لو كثير تقول : ائتني بتمرولو حشفاً ، أي : وإن كان التمر حشفاً فائتني به . وقال ابن عطية : ولو على أنفسكم متعلق بشهداء . فإن عنى شهداء هذا الملفوظ به فلا يصح ذلك ، وإن عنى الذي قدّرناه نحن فيصح . وقال الزمخشري : ولو على أنفسكم ، ولو كانت الشهادة على أنفسكم أو آبائكم أو أقاربكم . ( فإن قلت ) : الشهادة على لوالدين والأقربين أن يقول : أشهدُ أنّ لفلان على والذي كذا وعلى أقاربي ، فما معنى الشهادة على نفسه ؟ ( قلت ) : هي الإقرار على نفسه لأنه في معنى الشهادة عليها بإلزام الحق لها ، ويجوز أن يكون المعنى : وإن كانت الشهادة وبالاً على أنفسكم ، أو على آبائكم وأقاربكم ، وذلك أن يشهد على من توقع ضرره من سلطان ظالم أو غيره انتهى كلامه . وتقديره : ولو كانت الشهادة على أنفسكم ، ليس بجيد ، لأن المحذوف إنما يكون من جنس الملفوظ به قبل ليدل عليه . فإذا قلت : كن محسناً لمن أساء إليك ، فتحذف كان واسمها والخبر ، ويبقى متعلقه لدلالة ما قبله عليه ولا تقدره : ولو كان إحسانك لمن أساء . فلو قلت : ليكن منك إحسان ولو لمن أساء ، فتقدر : ولو كان الإحسان لمن أساء لدلالة ما قبله عليه ، ولو قدرته . ولو كنت محسناً لمن أساء إليك لم يكن جيداً ، لأنك تحذف ما لا دلالة عليه بلفظ مطابق . وقول الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى وإن كانت الشهادة وبالاً على أنفسكم هذا لا يجوز ، لأن ما تعلق به الظرف كون مقيد ، ولا يجوز حذف الكون المقيد ، لو قلت : كان زيد فيك وأنت تريد محباً فيك لم يجز ، لأنّ محباً مقيداً ، وإنما ذلك جائز في الكون المطلق ، وهو : تقدير كائن أو مستقر . .
{ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا } أي إن يكن المشهود عليه غنياً فلا تمتنع من الشهادة عليه لغناه ، أو فقيراً فلا تمنعها ترحماً عليه وإشفاقاً . فعلى هذا الجواب محذوف ، لأن العطف هو بأو ، ولا يثني الضمير إذا عطف بها ، بل يفرد . وتقدير الجواب : فليشهد عليه ولا يراعي الغنيّ لغناه ، ولا لخوف منه ، ولا الفقير لمسكنته وفقره ، ويكون قوله : فالله أولى بهما ليس هو الجواب ، بل لما جرى ذكر الغني والفقير . عاد الضمير على ما دل عليه ما قبله كأنه قيل : فالله أولى بجنسي الغني والفقير أي : بالأغنياء والفقراء . وفي قراءة أبيّ : فالله أولى بهم ما يشهد بإرادة الجنس . وذهب الأخفش وقوم ، إلى أنّ أو في معنى الواو ، فعلى قولهم يكون الجواب : فالله أولى بهما ، أي : حيث شرع الشهادة عليهما ، وهو أنظر لهما منكم . ولولا أنّ الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها . وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور : وقد ذكر العطف بالواو وثم وحتى ما نصه تقول : زيد أو عمر ، وقام زيد لا عمرو قام ، وكذلك سائر ما بقي من حروف العطف يعني غير الواو وحتى والفاء وثم ، والذي بقي بل ولكن وأم . قال : لا تقول قاما لأنّ القائم إنما هو أحدهما لا غير ، ولا يجوز قاما إلا في أو خاصة ، وذلك شذوذ لا يقاس عليه . قال الله تعالى : إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما ، فأعاد الضمير على الغني والفقير لتفرقهما في الذكر انتهى . وهذا ليس بسديد . ولا شذوذ في الآية ، ولا دليل فيها على جواز زيد أو عمرو قاما على جهة الشذوذ ، ولا غيره . ولأن قوله : فالله أولى بهما ليس بجواب كما قررناه ، والضمير ليس عائداً على الغني والفقير الملفوظ بهما في الآية ، وإنما يعود على ما دل عليه