@ 384 @ للتقريب والشفاعة أي : ليس له ذلك ، ولكن اعبدوا الله فعنده ثواب الدنيا والآخرة ، لا عند من تطلبون . ويحتمل أن تكون في أهل النفاق الذين يراؤون بأعمالهم الصالحة في الدنيا لثواب الدنيا لا غير . .
ومن يحتمل أن تكون موصولة والظاهر أنها شرط وجوابه الجملة المقرونة بفاء الجواب : ولا بد في الجملة الواقعة جواباً لاسم الشرط غير الظرف من ضمير عائد على اسم الشرط حتى يتعلق الجزاء بالشرط ، والتقدير : ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده ، هكذا قدّره الزمخشري وغيره . والذي يظهر أنّ جواب الشرط محذوف لدلالة المعنى عليه ، والتقدير : من كان يريد ثواب الدنيا فلا يقتصر عليه ، وليطلب الثوابين ، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة . وقال الراغب : فعند الله ثواب الدنيا والآخرة تبكيت للإنسان حيث اقتصر على أحد السؤالين مع كون المسؤول مالكاً للثوابين ، وحث على أن يطلب منه تعالى ما هو أكمل وأفضل من مطلوبه ، فمن طلب خسيساً مع أنه يمكنه أن يطلب نفيساً فهو دنيء الهمة . قيل : والآية وعيد للمنافقين لا يريدون بالجهاد غير الغنيمة . وقيل : هي حض على الجهاد . .
{ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً } أي سميعاً لأقوالهم ، بصيراً بأعمالهم ونياتهم . .
{ بَصِيراً يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالاْقْرَبِينَ } قال الطبري : هي سبب نازلة بن أبيرق وقيام من قام في أمره بغير القسط . وقال السدّي : نزلت في اختصام غني وفقير عند النبي صلى الله عليه وسلم ) . .
ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر النساء والنشوز والمصالحة ، أعقبه بالقيام بأداء حقوق الله تعالى ، وفي الشهادة حقوق الله . أو لأنه لما ذكر تعالى طالب الدنيا وأنه عنده ثواب الدنيا والآخرة ، بيّن أنّ كمال السعادة أن يكون قول الإنسان وفعله الله تعالى ، أو لأنه لما ذكر في هذه السورة { وَإِنْ خِفْتُمْ * أَن لا * تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى } والإشهاد عند دفع أموال اليتامى إليهم وأمر ببذل النفس والمال في سبيل الله ، وذكر قصة ابن أبيرق واجتماع قومه على الكذب والشهادة بالباطل ، وندب للمصالحة ، أعقب ذلك بأن أمر عباده المؤمنين بالقيام بالعدل والشهادة لوجه الله سبحانه وتعالى ، وأتى بصيغة المبالغة في قوّامين حتى لا يكون منهم جور مّا ، والقسط العدل . ومعنى شهداء الله أي : لوجه الله ، لا يراعي في الشهادة إلا جهة الله تعالى . والظاهر أن معنى قوله : شهداء لله من الشهادة في الحقوق ، ولذلك أتبعه بما بعده من قوله : ولو على أنفسكم ، وهكذا فسره المفسرون . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون قوله : شهداء لله معناه بالوحدانية ، ويتعلق قوله : ولو على أنفسكم ، بقوله : قوّامين بالقسط ، والتأويل الأول أبين انتهى كلامه . ويضعفه أنه خطاب للمؤمنين وهم شهداء لله بالوحدانية ، إلا إن أريد استمرار الشهادة . .
وتقدّمت صفة قوّامين بالقسط على شهداء الله . لأنّ القيام بالقسط أعم ، والشهادة أخص . ولأنّ القيام بالقسط فعل وقول ، والشهادة قول فقط . ومعنى : ولو على أنفسكم ، أي تشهدون على أنفسكم أي تقرّون بالحق وتقيمون القسط عليها . والظاهر أنه أراد بقوله : ولو على أنفسكم أنفس الشهداء لله تعالى . وأبعد من جوّز أن يكون المعنى في أنفسكم : الأهل واوقارب ، وأن يكون ( أو الوالدين ) تفسيراً لأنفسكم ، ويضعفه العطف بأو . وانتصب شهداء على أنه خبر بعد خبر . ومن ذهب إلى جعله حالاً من الضمير في قوّامين كأبي البقاء ، فقوله ضعيف . لأن فيها تقييداً لقيام بالقسط ، سواء كان مثل هذا أم لا . وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يشهد لهذا القول الضعيف ، قال ابن عباس : معناه كونوا قوّامين بالعدل في الشهادة على من كان ومجيء لو هنا لاستقصاء جميع ما يمكن فيه الشهادة ، لما كانت الشهادة من الإنسان على نفسه بصدد أن لا يقيمها لما جبل عليه المرء من محاباة نفسه ومراعاتها ، نبّه على هذه الحال ، وجاء هذا الترتيب في الاستقصاء في غاية من الحسن والفصاحة . فبدأ بقوله : ولو على أنفسكم ، لأنه لا شيء أعز