@ 321 @ .
ومناسبة هذه الآية هي : أنه لما ذكر في الآيات قبلها تثبيطهم عن القتال ، واستطرد من ذلك إلى أنَّ الموت يدرك كل أحد ولو اعتصم بأعظم معتصم ، فلا فائدة في الهرب من القتال ، وأتبع ذلك بما أتبع من سوء خطاب المنافقين للرسول عليه السلام ، وفعلهم معه من إظهار الطاعة بالقول وخلافها بالفعل ، وبكتهم في عدم تأملهم ما جاء به الرسول من القرآن الذي فيه كتب عليهم القتال ، عاد إلى أمر القتال . وهكذا عادة كلام العرب تكون في شيء ثم تستطرد من ذلك إلى شيء آخر له به مناسبة وتعلق ، ثم تعود إلى ذلك الأول . .
والفاء هنا عاطفة جملة كلام على جملة كلام يليه ، ومن زعم أنّ وجه العطف بالفاء هو أن يكون متصلاً بقوله : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ } أو بقوله : { فَسَوْفَ * يُؤْتِيهُ * أَجْراً عَظِيماً } وهو محمول على المعنى على تقدير شرط أي : إن أردت الفوز فقاتل . أو معطوفة على قوله : { فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ } فقد أبعد . وظاهر الأمر أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ) وحده ، ويؤكده : لا تكلف إلا نفسك . وحمله الزمخشري على تقدير شرط ، قال : أي إن أفردوك وتركوك وحدك لا تكلف إلا نفسك وحدها أن تقدمها للجهاد ، فإنّ الله هو ناصرك لا الجنود ، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف انتهى . وسبقه إليه الزجاج قال : أمره بالجهاد وإن قاتل وحده ، لأنه ضمن له النصرة . وقال ابن عطية : لم نجد قط في خبر أنّ القتال فرض على النبي دون الأمة مرة ما ، فالمعنى والله أعلم أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ) في اللفظ ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه : أي : أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له فقاتل في سبيل الله ، ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر ، أن يجاهد ولو وحده ، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ) : ( لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي ) وقول أبي بكر وقت الردة : ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي . .
ومعنى لا تكلف إلا نفسك : أي : لا تكلف في القتال إلا نفسك ، فقاتل ولو وحدك . وقيل : المعنى إلا طاقتك ووسعك . والنفس يعبر بها عن القوّة يقال : سقطت نفسه أي قوته . وقرأ الجمهور : لا تكلف خبراً مبنياً للمفعول ، قالوا : والجملة في موضع الحال ، ويجوز أن يكون إخباراً من الله لنبيه ، لا حالاً شرع له فيها أنه لا يكلف أمر غيره من المؤمنين ، إنما يكلف أمر نفسه فقط . وقرىء : لا نكلف بالنون وكسر اللام ، ويحتمل وجهي الإعراب : الحال والاستئناف . وقرأ عبد الله بن عمر : لا تكلف بالتاء وفتح اللام ، والجزم على جواب الأمر . وأمره تعالى بحث المؤمنين على القتال ، وتحريك هممهم إلى الشهادة . .
{ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } قال عكرمة وغيره : عسى من الله واجبه ، ومن البشر متوقعة مرجوّة . والذين كفروا : هم كفار قريش ، وقد كف الله تعالى بأسهم ، وبدا لأبي سفيان ترك القتال . وقال : هذا عام مجدب ، وما كان معهم إلا السويق ، ولا يلقون إلا في عام مخصب فرجع بهم . وقيل : كف البأس يكون عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام . وقيل : ذلك يوم الحديبية . وقيل : هي فيمن ضربت عليهم الجزية . والجمهور على ما قدمناه من أنّ ذلك كان عند خروجهم إلى بدر الصغرى . والظاهر في هذا أنه لا يتقيد كف بأس الذين كفروا بما ذكروا ، والتخصيص بشيء يحتاج إلى دليل . .
{ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } هذا تقوية لقلوب المؤمنين ، وأنّ بأس الله أشدّ من بأس الكفار . وقد رجى كف بأسهم ، ثم ذكر ما أعد لهم من النكال ، وأن اللَّه تعالى هو أشد عقوبة . فذكر قوّته وقدرته عليهم ، وما يؤول إليه أمرهم من التعذيب . قال الحسن وقتادة : وأشد تنكيلاً أي عقوبة فاصحة ، والأظهر أن أفعل التفضيل هنا على بابها . وقيل : هو من باب العسل أحلى من الخل ، لأن بأسهم بالنسبة إلى بأسه تعالى ليس بشيء . .
{ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا } قال قوم : من يكن شفيعاً لوتر أصحابك يا محمد في الجهاد فيسعفهم في جهاد عدوّهم يكن له نصيب من الجهاد أو من