@ 314 @ وجه يثلج صدراً أو يزيل شكاً ، إذ نزلت في قوم أسلموا ذريعة إلى غنى وخصب ينالونه ، وظفر يحصلونه ، فكان أحدهم إذا نابتة نائبة ، أو فاته محبوب ، أو ناله مكروه ، أضاف سببه إلى الرسول متطيراً به . والحسنة هنا والسيئة كهما في : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيّئَاتِ } وفي { فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَاذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ } انتهى . وقد طعن بعض الملاحدة فقال : هذا تناقض ، لأنه قال : قل كل من عند الله وقال عقيبه : ما أصابك من حسنة الآية . وقال الراغب : وهذا ظاهر الوهى ، لأن الحسنة والسيئة من الألفاظ المشتركة كالحيوان الذي يقع على الإنسان والفرس والحمار . ومن الأسماء المختلفة كالعين . فلو أنّ قائلاً قال : الحيوان المتكلم والحيوان غير المتكلم ، وأراد بالأول الإنسان ، وبالثاني الفرس أو الحمار ، لم يكن متناقضاً . وكذلك إذا قال : العين في الوجه ، والعين ليس في الوجه ، وأراد بالأولى الجارحة ، وبالثانية عين الميزان أو السحاب . وكذلك الآية أريد بهما في الأولى غير ما أريد في الثانية كما بيناه انتهى . .
والذي اصطلح عليه الراغب بالمشتركة وبالمختلفة ليس اصطلاح الناس اليوم ، لأن المشترك هو عندهم كالعين ، والمختلفة هي المتباينة . والراغب جعل الحيوان من الأسماء المشتركة وهو موضوع للقدر المشترك ، وجعل العين من الأسماء المختلفة وهو في الاصطلاح اليوم من المشترك . قال بعض أهل العلم : والفرق بين من عند الله ، ومن الله : أنَّ من عند الله أعم . يقال : فيما كان برضاه وبسخطه ، وفيما يحصل ، وقد أمر به ونهى عنه ، ولا يقال : هو من الله إلا فيما كان برضاه وبأمره ، وبهذا النظر قال عمر : إنْ أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن الشيطان انتهى . وعنى بالنفس هنا المذكورة في قوله : { إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةٌ بِالسُّوء } وقرأت عائشة رضي الله عنها : فمن نفسك بفتح الميم ورفع السين ، فمن استفهام معناه الإنكار أي : فمن نفسك حتى ينسب إليها فعل المعنى ما للنفس في الشيء فعل . .
{ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً } أخبر تعالى أنه قد أزاح عللهم بإرساله ، فلا حجة لهم لقوله : { وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } وللناس عام عربهم وعجمهم ، وانتصب رسولاً على الحال المؤكدة . وجوّز أن يكون مصدراً بمعنى إرسالاً ، وهو ضعيف . .
{ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً } أي مطلعاً على ما يصدر منك ومنهم ، أو شهيداً على رسالتك . ولا ينبغي لمن كان الله شاهده إلا أن يطاع ويتبع ، لأنه جاء بالحق والصدق ، وشهد الله له بذلك . .
وقد تضمنت هذه الآيات من البيان والبديع : الاستعارة في : يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ، وفي : فسوف نؤتيه أجراً عظيماً لما يناله من النعيم في الآخرة ، وفي : سبيل الله ، وفي : سبيل الطاغوت ، استعار الطريق للاتباع وللمخالفة وفي : كفوا أيديكم أطلق كف اليد الذي هو مختص بالإجرام على الإمساك عن القتال . والاستفهام الذي معناه الاستبطاء والاستبعاد في : وما لكم لا تقاتلون . والاستفهام الذي معناه التعجب في : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا . والتجوز بفي التي للوعاء عن دخولهم في : الجهاد . والالتفات في : فسوف نؤتيه في قراءة النون . والتكرار في : سبيل الله ، وفي : واجعل لنا من لدنك ، وفي : يقاتلون ، وفي : الشيطان ، وفي : وإن تصبهم ، وفي : ما أصابك وفي : اسم الله . والطباق اللفظي في : الذين آمنوا والذين كفروا . والمعنوي في : سبيل الله طاعة وفي سبيل الطاغوت معصية . والاختصاص في : إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ، وفي : والآخرة خير لمن اتقى . والتجوز بإسناد الفعل إلى غير فاعله في : يدرككم الموت ، وفي : إن تصبهم ، وفي : ما أصابك . والتشبيه في : كخشية . وإيقاع أفعل التفضيل حيث لا مشاركة في : خير لمن اتقى . والتجنيس المغاير في : يخشون وكخشية . والحذف في مواضع . .
2 ( { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً * وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِى تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِض