@ 313 @ .
هذا مقتضى اللفظ . وأما المعنى بالناس خاصتهم وعامتهم مراد بقوله : ما أصابك من حسنة . وقال ابن عباس ، وقتادة ، والحسن ، وابن زيد ، والربيع ، وأبو صالح : معنى الآية أنه أخبر تعالى على سبيل الاستئناف والقطع أنَّ الحسنة منه بفضله ، والسيئة من الإنسان بذنوبه ، ومن الله بالخلق والاختراع . وفي مصحف ابن مسعود : فمن نفسك ، وإنما قضيتها عليك ، وقرأ بها ابن عباس . وحكى أبو عمرو : أنها في مصحف ابن مسعود ، وأنا كتبتها . وروي أن ابن مسعود وأبياً قرآ : وأنا قدرتها عليك . ويؤيد هذا التأويل أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ) معناها : { إِنَّ مَا * يُصَيبُ * الاْنْسَانُ مِن } وقالت طائفة : معنى الآية هو على قول محذوف تقديره : فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ؟ يقولون : ما أصابك من حسنة الآية . والابتداء بقوله : { أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ } والوقف على قوله : فمن نفسك . وقالت طائفة : ما أصابك من حسنة فمن الله ، هو استئناف إخبار من الله أنَّ الحسنة منه وبفضله . ثم قال : وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، على وجه الإنكار والتقدير : وألف الاستفهام محذوفة من الكلام كقوله : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ } أي : وتلك نعمة . وكذا { بَازِغاً قَالَ هَاذَا رَبّى } على أحد الأقوال ، والعرب تحذف ألف الاستفهام قال أبو خراش : % ( رموني وقالوا يا خويلد لم ترع % .
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم .
) % .
أي : أهم هم . وحكى هذا الوجه عن ابن الأنباري . وروى الضحاك عن ابن عباس أن الحسنة هنا ما أصاب المسلمين من الظفر والغنيمة يوم بدر ، والسيئة ما نكبوا به يوم أحد . وعن عائشة رضي الله عنها : ( ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب ، حتى الشوكة يشاكها ، حتى انقطاع نعله إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر ) . وقال تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ * فِيمَا * كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } . .
وقد تجاذبت القدرية وأهل السنة الدلالة من هذه الآيات على مذاهبهم ، فتعلقت القدرية بالثانية وقالوا : ينبغي أن لا ينسب فعل السيئة إلى الله بوجه ، وجعلوا الحسنة والسيئة في الأولى بمعنى الخصب والجدب والغنى والفقر . وتعلق أهل السنة بالأولى وقالوا : { قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ اللَّهِ } عام يدل على أن الأفعال الظاهرة من العباد هي من الله تعالى ، وتأولوا الثانية وهي : مسألة يبحث عنها في أصول الدين . وقال القرطبي : هذه الآيات لا يتعلق بها إلا الجهال من الفريقين ، لأنّهم بنوا ذلك على أنّ السيئة هي المعصية ، وليست كذلك . والقدرية قالوا : ما أصابك من حسنة أي : من طاعة فمن الله ، وليس هذا اعتقادهم ، لأن اعتقادهم الذي بنوا عليه مذاهبهم : أنّ الحسنة فعل المحسن ، والسيئة فعل المسيء . وأيضاً فلو كان لهم فيه حجة لكان يقول : ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيئة ، لأنه الفاعل للحسنة والسيئة جميعاً ، فلا تضاف إليه إلا بفعله لهما لا يفعل غيره ، نص على هذا الإمام أبو الحسن شيث بن ابراهيم بن محمد بن حيدر في كتابه المسمى بحزّ العلاصم في إفحام المخاصم . .
وقال الراغب : إذا تؤمّل مورد الكلام وسبب النزول فلا تعلق لأحد الفريقين بالآية على