@ 304 @ .
وينبغي التوقف في جواز ذلك حتى يسمع من لسان العرب . وقال ابن عطية : وكأنْ مضمنة معنى التشبيه ، ولكنها ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر ، وإنما تجيء بعدها الجمل انتهى . وهذا الذي ذكره غير محرر ، ولا على إطلاقه . أما إذا خفقت ووليها ما كان يليها وهي ثقيلة ، فالأكثر والأفصح أن ترتفع تلك الجملة على الابتداء والخبر ، ويكون اسم كان ضمير شأن محذوفاً ، وتكون تلك الجملة في موضع رفع خبر كان . وإذا لم ينو ضمير الشأن جاز لها أن تنصب الاسم إذا كان مظهراً ، وترفع الخبر هذا ظاهر كلام سيبويه . ولا يخص ذلك بالشعر ، فنقول : كأن زيداً قائم . قال سيبويه : وحدثنا من يوثق به أنه سمع من العرب من يقول : إن عمر المنطلق وأهل المدينة يقرؤون : وأن كلا لما يخففون وينصبون كما قال : كأن ثدييه حقان ، وذلك لأن الحرف بمنزلة الفعل ، فلما حذف من نفسه شيء لم يغير عمله ، كما لم يغير عمل لم يك ، ولم أبل حين حذف انتهى . فظاهر تشبيه سيبويه أن عمر المنطلق بقوله : كأن ثدييه حقان جواز ذلك في الكلام ، وأنه لا يختص بالشعر . .
وقد نقل صاحب رؤوس المسائل : أن كأنْ إذا خفقت لا يجوز إعمالها عند الكوفيين ، وأن البصريين أجازوا ذلك . فعلى مذهب الكوفيين قد يتمشى قول ابن عطية في أنَّ كانْ المخففة ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر ، وأما على مذهب البصريين فلا ، لأنها عندهم لا بد لها من اسم وخبر . .
والجملة من قوله : كأنْ لم يكن بينكم وبينه مودة اختلف المفسرون فيها ونحن نسرد كلام من وقفنا على كلامه فيها . فنقول : قال الزمخشري : اعتراض بين الفعل الذي هو ليقولن ، وبين مفعوله وهو يا ليتني ، والمعنى : كأنْ لم يتقدم له معكم مودة ، لأنّ المنافقين كانوا يوادون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر ، وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن . والظاهر أنه تهكم ، لأنهم كانوا أعدى عدوّ للمؤمنين وأشدهم حسداً لهم ، فكيف يوصفون بالمودة إلا على وجه العكس تهكماً بحالهم ؟ وقال ابن عطية : المنافق يعاطي المؤمنين المودة ، ويعاهد على التزام كلف الإسلام ، ثم يتخلف نفاقاً وشكاً وكفراً بالله ورسوله ، ثم يتمنى عندما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين . فعلى هذا يجيء قوله تعالى : كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ، التفاتة بليغة واعتراضاً بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم . وقال الزجاج : هذه الجملة اعتراض ، أخبر تعالى بذلك لأنهم كانوا يوادون المؤمنين . وقال أيضاً ، وتبعه الماتريدي هذا على التقديم والتأخير تقديره : فإنْ أصابتكم مصيبة قال : قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيداً ، كأنْ لم تكن بينكم وبينه مودة ، ولئن أصابكم فضل من الله . قال الراغب : وذلك مستقبح ، فإنه لا يفصل بين الجملة وبعض ما يتعلق بجملة أخرى . وقال أيضاً : وتبعه أبو البقاء :