@ 299 @ الفارسي إلى أنها قد تكون جواباً فقط في موضع ، وجواباً وجزاء في موضع نفي ، مثل : إذن أظنك صادقاً لمن قال : أزورك ، هي جواب خاصة . وفي مثل : إذن أكرمك لمن قال : أزورك ، هي جواب وجزاء . وذهب الأستاذ أبو عليّ إلى أنها تتقدر بالجواب والجزاء في كل موضع وقوفاً مع ظاهر كلام سيبويه . والصحيح قول الفارسي ، وهي مسألة يبحث عنها في علم النحو . .
والأجر كناية عن الثواب على الطاعة ، ووصفه بالعظم باعتبار الكثرة ، أو باعتبار الشرف . والصراط المستقيم هو الإيمان المؤدّي إلى الجنة قاله : ابن عطية . وقيل : هو الطريق إلى الجنة . وقيل : الأعمال الصالحة . ولما فسر ابن عطية الصراط المستقيم بالإيمان قال : وجاء ترتيب هذه الآية كذا . ومعلوم أنَّ الهداية قبل إعطاء الأجر ، لأن المقصد إنما هو تعديد ما كان الله ينعم به عليهم دون ترتيب ، فالمعنى : وكهديناهم قبل حتى يكونوا ممن يؤتى الأجر انتهى . وأمّا إذا فسرت الهداية إلى الصراط هنا بأنه طريق الجنة ، أو الأعمال الصالحة ، فإنه يظهر الترتيب . .
{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ النَّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ } قال الكلبي : نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وكان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فأتى ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه فقال : ( يا ثوبان ما غير لونك ؟ ) فقال : يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع ، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك ، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك هناك ، لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين ، وإنِّي وإن كنت أدخل الجنة كنت في منزل أدنى من منزلك ، وإنْ لم أدخل الجنة فذلك حين لا أراك أبداً . انتهى قول الكلبي . وحكى مثل قول ثوبان عن جماعة من الصحابة منهم : عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري ، وهو الذي أرى الأذان قال : يا رسول الله ، إذا مت ومتنا ، كنتَ في عليين فلا نراك ولا نجتمع بك ، وذكر حزنه على ذلك ، فنزلت . وحكى مكي عن عبد الله هذا أنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم ) قال : اللهم اعمني حتى لا أرى شيئاً بعده ، فعمى . والمعنى في مع النبيين : إنه معهم في دار واحدة ، وكل من فيها رزق الرضا بحاله ، وهم بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر ، وإنْ بعد مكانه . .
وقيل : المعية هنا كونهم يرفعون إلى منازل الأنبياء متى شاؤا تكرمة لهم ، ثم يعودون إلى منازلهم . وقيل : إنّ الأنبياء والصدّيقين والشهداء ينحدرون إلى من أسفل منهم ليتذاكروا نعمة الله ، ذكره المهدوي في تفسيره الكبير . قال أبو عبد الله الرازي : هذه الآية تنبيه على أمرين من أحوال المعاد : الأول : إشراق الأرواح بأنوار المعرفة . والثاني : كونهم مع النبيين . وليس المراد بهذه المعية في الدرجة ، فإنّ ذلك ممتنع ، بل معناه : إن الأرواح الناقصة إذا استكملت علائقها مع الأرواح الكاملة في الدنيا بقيت بعد المفارقة تلك العلائق ، فينعكس الشعاع من بعضها على بعض ، فتصير أنوارها في غاية القوة ، فهذا ما خطر لي انتهى كلامه . وهو شبيه بما قالته الفلاسفة في الأرواح إذا فارقت الأجساد . وأهل الإسلام يأبون هذه الألفاظ ومدلولاتها ، ولكن من غلب عليه شيء وحبه جرى في كلامه . وقوله : مع الذي أنعم الله عليهم ، تفسير لقوله : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } وهم من ذكر في هذه الآية . والظاهر أن قوله : من النبيين ، تفسير للذين أنعم الله عليهم . فكأنه قيل : من يطع الله ورسوله منكم ألحقه الله بالذين تقدمهم ممن أنعم عليهم . قال الراغب : ممن أنعم عليهم من الفرق الأربع في المنزلة والثواب : النبي بالنبي ، والصديق بالصديق ، والشهيد بالشهيد ، والصالح بالصالح . وأجاز الراغب أن يتعلق من النبيين بقوله : ومن يطع الله والرسول . أي : من النبيين ومن بعدهم ، ويكون قوله