@ 269 @ بالغائط ، وحمل عليه الريح والبول والمني والودي ، لا خلاف أن هذه الستة أحداث . وقد اختلفوا في أشياء ذكرت في كتب الفقه . وقرأ ابن مسعود : من الغيط وخرج على وجهين : أحدهما : أنه مصدر إذ قالوا : غاط يغيط . والثاني : أن أصله فيعل ، ثم حذف كميت . واختلفوا في تفسير اللمس ، فقال عمرو بن مسعود وغيرهما : هو اللمس باليد ، ولا ذكر للجنب إنما يغتسل أو يدع الصلاة حتى يجد الماء . قال أبو عمر : لم يقل بقولهم أحد من فقهاء الأمصار لحديث عمار ، وأبي ذر ، وعمران بن حصين في تيمم الجنب . وقال علي وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة : المراد الجماع ، والجنب يتيمم . ولا ذكر للامس بيده ، وهو مذهب أبي حنيفة . فلو قبل ولو بلذة لم ينتقض الوضوء . وقال مالك : الملامس بالجماع يتيمم ، وكذا باليد إذا التذ فإن لمس بغير شهوة فلا وضوء ، وبه قال أحمد وإسحاق . وقال الشافعي : إذا أفضى بشيء من جسده إلى بدن المرأة نقض الطهارة ، وهو قول : ابن مسعود ، وابن عمر ، والزهري ، وربيعة ، وعبيدة ، والشعبي ، وابراهيم ، ومنصور ، وابن سيرين . وقال الأوزاعي : إن كان باليد نقض وإلا فلا . وقرأ حمزة ، والكسائي : لمستم وباقي السبعة بالألف ، وفاعل هنا موافق فعل المجرّد نحو : جاوزت الشيء وجزته ، وليست لأقسام الفاعلية والمفعولية لفظاً ، والاشتراك فيهما معنى ، وقد حملها الشافعيّ على ذلك في أظهر قوليه . .
فقال : الملموس كاللامس في نقض الطهارة . .
وقوله : أو على سفر في موضع نصب عطفاً على مرضى . وفي قوله : أو جاء ، أو لامستم دليل على جواز وقوع الماضي خبراً لكان من غير قد وادّعاء إضمارها تكلف خلافاً للكوفيين لعطفها على خبر كان ، والمعطوف على الخبر خبر . فلم تجدوا ماء الضمير عائد على من أسند إليهم الحكم في الأخبار الأربعة . وفيه تغليب الخطاب إذ قد اجتمع خطاب وغيبة ، فالخطاب : كنتم مرضى ، أو على سفر ، أو لامستم . والغيبة قوله : أو جاء أحد . وما أحسن ما جاءت هذه الغيبة ، لأنه لما كنى عن الحاجة بالغائط كره إسناد ذلك إلى المخاطبين ، فنزع به إلى لفظ الغائب بقوله : أو جاء أحد ، وهذا من أحسن الملاحظات وأجمل المخاطبات . ولما كان المرض والسفر ولمس النساء لا يفحش الخطاب بها جاءت على سبيل الخطاب . وظاهر انتفاء الوجدان سبق تطلبه وعدم الوصول إليه ، فأما في حق المريض فجعل الموجود حساً في حقه إذا كان لا يستطيع استعماله كالمفقود شرعاً ، وأما غيره باقي الأربعة فانتفاء وجدان الماء في حقهم هو على ظاهره . وفلم تجدوا معطوف على فعل الشرط فتيمموا صعيداً طيباً هذا جواب الشرط ، أمر الله تعالى بالتيمم عند حصول سبب من هذه الأسباب الأربعة وفقدان الماء . .
قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين ، وبين المحدثين والمجنبين ، والمرض والسفر سببان من أسباب الرخصة ، والحدث سبب لوجوب الوضوء ، والجنابة سبب لوجوب الغسل ؟ ( قلت ) : أراد سبحانه وتعالى أن يرخص للذين وجب عليهم التطهر وهم عادمون للماء في التيمم والتراب ، فخص أولاً من بينهم مرضاهم وسفرهم لأنهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم ، لكثرة المرض والسفر وغلبتهما على سائر الأسباب الموجبة للرخصة ، ثم عم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء لخوف عدو ، أو سبع ، أو عدم آلة استقاء ، أو إرهاق في مكان لا ماء فيه ، أو غير ذلك مما لا يكثر كثرة المرض والسفر انتهى . وفيه تفسيره : أو لامستم النساء أنه أريد به الجماع الذي تترتب عليه الجنابة ، فسر ذلك على مذهب أبي حنيفة ، ولم ينقل غيره من المذاهب . وملخص ما طول به : أنه اعتذر عن تقديم المرض والسفر بما ذكر . ومن يحمل اللمس على ظاهره يقول : إن هذا من باب الترقي من الإقل إلى الأكثر ، لأن حالة المرض أقل من حالة السفر ، وحالة السفر أقل من حالة قضاء الحاجة ، وحالة قضاء الحاجة أقل من حالة لمس المرأة . ألا ترى أن حالة الصحة غالباً أكثر من حال المرض ، وكذا في سائر البواقي ؟ .