@ 258 @ ويصنعون أحقاء بكل ملامة . وقدره ابن عطية : معذبون أو مجازون ونحوه . وقدره أبو البقاء : أولئك قرناؤهم الشيطان ، وقدره أيضاً : مبغضون . ويحتمل أن يكون التقدير : كافرون { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ } فإن كان ما قبل الخبر مما يقتضي كفراً حقيقة كتفسيرهم البخل بأنه بخل بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وبإظهار نبوّته . والأمر بالبخل لأتباعهم أي : بكتمان ذلك ، وكتمهم ما تضمنته التوراة من نبوّته وشريعته ، كان قوله : وأعتدنا للكافرين ، حقيقة فإن كان ما قبل الخبر كفر نعمة كتفسيرهم : أنها في المؤمنين ، كان قوله : وأعتدنا للكافرين كفر نعمة ولكل من هذه التقادير مناسب من الآية ، والآية على هذه التقادير . وقول الزجاج : في الكفار ، ويبين ذلك سبب النزول المتقدم . وتقدم تفسير البخل والأمر به ، والكتمان على هذا الوجه في سبب النزول . وأعتدنا للكافرين : أي أعددنا وهيأنا . والعتيد : الحاضر المهيأ والمهين الذي فيه خزي وذل ، وهو أنكى وأشد على المعذب . .
{ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاْخِرِ } تقدم تفسير مثل هذه الآية في قوله : { كَالَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ } وهناً : ولا باليوم الآخر ، وهناك : واليوم الآخر . قال السدّي ، والزجاج وأبو سليمان الدّمشقي والجمهور : هم المنافقون نزلت فيهم ، وإنفاقهم هو إعطاؤهم الزكاة ، وإخراجهم المال في السفر للغزو رئاء ودفعاً عن أنفسهم ، لا إيماناً ولا حباً في الدّين . وقال ابن عباس : ومقاتل ، ومجاهد : نزلت في اليهود . وضعفه الطبري من حيث أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر . ووجه ابن عطية هذا القول بأنهم لم يؤمنوا على ما ينبغي جعل إيمانهم كلا إيمان من حيث لا ينفعهم . وقيل : هم مشركو مكة ، لأنهم كانوا ينكرون البعث . وإنفاق اليهود هو ما أعانوا به قريشاً في غزوة أحد وغزوة الخندق ، وإنفاق مشركي مكة هو ما كان في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ) وطلبهم الانتصار . .
وفي إعراب والذين ينفقون وجوه : أحدها : أنه مبتدأ محذوف الخبر ، ويقدر : معذبون ، أو قرينهم الشيطان ، ويكون العطف من عطف الجمل . والثاني : أن يكون معطوفاً على الكافرين ، فيكون مجروراً قاله : الطبري . والثالث : أن يكون معطوفاً على الذين يبخلون ، فيكون إعرابه كإعراب الذين يبخلون . والعطف في هذين الوجهين من عطف المفردات . ورئاء مصدر راء ، أو انتصابه على أنه مفعول من أجله ، وفيه شروطه فلاينبغي أن يعدل عنه . وقيل : هو مصدر في موضع الحال قاله : ابن عطية ، ولم يذكر غيره . وظاهر قوله : ولا يؤمنون أنه عطف على صلة الذين ، فيكون صلة . ولا يضر الفصل بين إبعاض الصلة بمعمول للصلة ، إذ انتصاب رئاء على وجهيه بينفقون . وجوّزوا أن يكون : ولا يؤمنون في موضع الحال ، فتكون الواو واو الحال أي : غير مؤمنين ، والعامل فيها ينفقون أيضاً . وحكى المهدوي : أنه يجوز انتصاب رئاء على الحال من نفس الموصول لا من الضمير في ينفقون ، فعلى هذا لا يجوز أن يكون : ولا يؤمنون معطوفاً على الصلة ، ولا حالاً من ضمير ينفقون ، لما يلزم من الفصل بين أبعاض الصلة ، أو بين معمول الصلة بأجنبي وهو رئاء المنصوب على الحال من نفس الموصول ، بل يكون قوله : ولا يؤمنون مستأنف . وهذا وجه متكلف . وتعلق رئاء بقوله : ينفقون واضح ، إما على المفعول له ، أو الحال ، فلا ينبغي أن يعدل عنه . وتكرار لا وحرف الجر في قوله : ولا باليوم الآخر مفيد لانتفاء كل واحد من الإيمان بالله ، ومن الإيمان باليوم الآخر . لأنك إذا قلت : لا أضرب زيداً وعمراً ، احتمل أن لا تجمع بين ضربيهما . ولذلك يجوز أن تقول بعد ذلك : بل أحدهما . واحتمل نفي الضرب عن كل واحد منهما علي سبيل الجمع ، وعلى سبيل الإفراد . فإذا قلت : لا أضرب زيداً ولا عمراً ، تعين هذا الاحتمال الثاني الذي كان دون تكرار . .
{ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً } لما ذكر تعالى من اتصف بالبخل والأمر به ، وكتمان فضل الله تعالى ، والإنفاق رئاء ، وانتفاء إيمانه بالله وباليوم الآخر ، ذكر أن هذه من نتائج مقارنة الشيطان ومخالطته وملازمته للمتصف بذلك ، لأنها شر محض ،