@ 256 @ بالإحسان إلى كل مملوك من آدمي وحيوان غيره . وقد ورد غير ما حديث في الوصية بالارقاء خيراً في صحيح مسلم وغيره . ومن غريب التفسير ما نقل عن سهل التستري قال : الجار ذو القربى هو القلب ، والجار الجنب النفس ، والصاحب بالجنب العقل الذي يجهر على اقتداء السنة والشرائع ، وابن السبيل الجوارح المطيعة . .
{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } نفى تعالى محبته عمن اتصف بهاتين الصفتين : الاختيال وهو التكبر ، والفخر هو عد المناقب على سبيل التطاول بها والتعاظم على الناس . لأنّ من اتصف بهاتين الصفتين حملتاه على الإخلال بمن ذكر في الآية ممن يكون لهم حاجة إليه . وقال أبو رجاء الهروي : لا تجد سيىء الملكة إلا وجدته مختالاً فخوراً ، ولا عاقاً إلا وجدته جباراً شقياً . قال الزمخشري : والمختال التياه الجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه ، فلا يحتفى بهم ، ولا يلتفت إليهم . وقال غيره : ذكر تعالى الاختيال لأن المختال يأنف من ذوي قرابته إذا كانوا فقراء ، ومن جيرانه إذا كانوا ضعفاء ، ومن الأيتام لاستضعافهم ومن المساكين لاحتقارهم ، ومن ابن السبيل لبعده عن أهله وماله ، ومن مماليكه لأسرهم في يده انتهى . وتظافرت هذه النقول على أن ذكر هاتين الصفتين في آخر الآية إنما جاء تنبيهاً على أنّ من اتصف بالخيلاء والفخر بأنف من الإحسان للأصناف المذكورين ، وأن الحامل له على ذلك اتصافه بتينك الصفتين . والذي يظهر لي أنّ مسافهما غير هذا المساق الذي ذكروه ، وذلك أنه تعالى لما أمر بالإحسان للأصناف المذكورة والتحفي بهم وإكرامهم ، كان في العادة أن ينشأ عن من اتصف بمكارم الأخلاق أن يجد في نفسه زهواً وخيلاً ، وافتخاراً بما صدر منه من الإحسان . وكثيراً ما افتخرت العرب بذلك وتعاظمت في نثرها ونظمها به ، فأراد تعالى أن ينبه على التحلي بصفة التواضع ، وأن لا يرى لنفسه شفوفاً على من أحسن إليه ، وأن لا يفخر عليه كما قال تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنّ وَالاْذَى } فنفى تعالى محبته عن المتحلي بهذين الوصفين . وكان المعنى أنهم أمروا بعبادة الله تعالى ، وبالإحسان إلى الوالدين . ومن ذكر معهما : ونهوا عن الخيلاء والفخر ، فكأنه قيل : ولا تختالوا وتفخروا على من أحسنتم إليه ، إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً . إلا أنّ ما ذكرناه لا يتم إلا على أن يكون الذين يبخلون مبتدأ مقتطعاً مما قبله ، أما إن كان متصلاً بما قبله فيأتي المعنى الذي ذكره المفسرون ، ويأتي إعراب الذين يبخلون ، وبه يتضح المعنى الذي ذكروه ، والمعنى الذي ذكرناه إن شاء الله تعالى . .
{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } نزلت هذه الآية في قوم كفار . روى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وابن زيد ، وحضرمي : أنها نزلت في أحبار اليهود بخلوا بالإعلام بأمر محمد صلى الله عليه وسلم ) ، وكتموا ما عندهم من العلم في ذلك ، وأمروا بالبخل على جهتين : أمروا أتباعهم بجحود أمر محمد صلى الله عليه وسلم ) وقالوا للأنصار : لم تنفقون على المهاجرين فتفتقرون ؟ وقيل : نزلت في المنافقين . وقيل : في مشركي مكة . .
وعلى اختلاف سبب النزول اختلف أقوال المفسرين من المعنى بالذين يبخلون . وقيل : هي عامّة في كل من يبخل ويأمر بالبخل من اليهود وغيرهم . والبخل في كلام العرب : منع السائل شيئاً مما في يد المسؤول من المال ، وعنده فضل . قال طاووس : البخل أن يبخل الإنسان بما في يده ، والشح أن يشح على ما في أيدي الناس . والبخل في الشريعة ، هو منع الواجب . وقال الراغب : لم يرد البخل بالمال ، بل بجميع ما فيه نفع للغير انتهى . ولما أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين ومن ذكر معهما من المحتاجين على سبيل ابتداع أمر الله ، بيّن أنّ من لا يفعل ذلك قسمان . أحدهما : البخيل الذي لا يقدم على إنفاق المال ألبتة حتى أفرط في ذلك وأمر بالبخل . والثاني : الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ، لا لغرض أمر الله وامتثاله وطاعته . وذمّ تعالى القسمين بأن أعقب القسم الأول : وأعتدنا للكافرين ، وأعقب الثاني بقوله : { وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً } . .
والبخل أنواع : بخل بالمال ، وبخل بالعلم وبخل