@ 234 @ أنفسهم آكد وأهم ، وبدأ أولاً بصفة الخلق ، إذ كانت العرب مقرة بأن الله خالقها ، وهم المخاطبون ، والناس تبع لهم ، إذ نزل القرآن بلسانهم . وقرأ ابن السميفع : وخلق من قبلكم ، جعله من عطف الجمل . وقرأ زيد بن علي : { وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } بفتح ميم من ، قال الزمخشري : وهي قراءة مشكلة ووجهها على أشكالها أن يقال : أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيداً ، كما أقحم جرير في قوله : .
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم .
تيما الثاني بين الأول وما أضيف إليه ، وكإقحامهم لام الإضافة بين المضاف والمضاف إليه في لا أبا لك ، انتهى كلامه . وهذا التخريج الذي خرج الزمخشري قراءة زيد عليه هو مذهب لبعض النحويين زعم أنك إذا أتيت بعد الموصول بموصول آخر في معناه مؤكد له ، لم يحتج الموصول الثاني إلى صلة ، نحو قوله : % ( من النفر اللائي الذين أذاهم % .
يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا .
) % .
فإذا وجوابها صلة اللائي ، ولا صلة للذين ، لأنه إنما أتى به للتأكيد . قال أصحابنا : وهذا الذي ذهب إليه باطل ، لأن القياس إذا أكد الموصول أن تكرره مع صلته لأنها من كماله ، وإذا كانوا أكدوا حرف الجر أعادوه مع ما يدخل عليه لافتقاره إليه ، ولا يعيدونه وحده إلا في ضرورة ، فالأحرى أن يفعل مثل ذلك بالموصول الذي الصلة بمنزلة جزء منه . وخرج أصحابنا البيت على أن الصلة للموصول الثاني وهو خبر مبتدأ محذوف ، ذلك المبتدأ والموصول في موضع الصلة للأول تقديره من النفر اللاتي هم الذين أذا هم ، وجاز حذف المبتدأ وإضماره لطول خبره ، فعلى هذا يتخرج قراءة زيد أن يكون قبلكم صلة من ، ومن خبر مبتدأ محذوف ، وذلك المبتدأ وخبره صلة للموصول الأول وهو الذين ، التقدير والذين هم من قبلكم . وعلى قراءة الجمهور تكون صلة الذين قوله : { مِن قَبْلِكُمْ } ، وفي ذلك إشكال ، لأن الذين أعيان ، ومن قبلكم جار ومجرور ناقص ليس في الإخبار به عن الأعيان فائدة ، فكذلك الوصل به إلا على تأويل ، وتأويله أنه يؤول إلى أن ظرف الزمان إذا وصف صح وقوعه خبراً نحو : نحن في يوم طيب ، كذلك يقدر هذا والذين كانوا من زمان قبل زمانكم . وهذا نظير قوله تعالى : { كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } وإنما ذكر { وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } ، وإن كان خلقهم لا يقتضي العبادة علينا لأنهم كالأصول لهم ، فخلق أصولهم يجري مجرى الأنعام على فروعهم ، فذكرهم عظيم إنعامه تعالى عليهم وعلى أصولهم بالإيجاد . .
وليست لعل هنا بمعنى كي لأنه قول مرغوب عنه ولكنها للترجي والأطماع ، وهو بالنسبة إلى المخاطبين ، لأن الترجي لا يقع من الله تعالى إذ { هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } ، وهي متعلقة بقوله : { اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } ، فكأنه قال : إذا عبدتم ربكم رجوتم التقوى ، وهي التي تحصل بها الوقاية من النار والفوز بالجنة . قال ابن عطية : ويتجه تعلقها بخلقكم لأن كل مولود يوجد على الفطرة فهو بحيث يرجى أن يكون متقياً . ولم يذكر الزمخشري غير تعلقها بخلقكم ، قال : لعل واقعة في الآية موقع المجاز لا الحقيقة ، لأن الله تعالى خلق عباده