@ 237 @ الجملة الثانية ، ليبين أنَّ الثاني ليس على العطف انتهى . وهذا ليس بجيد ، لأنّ إرادته تعالى التوبة علينا ليست مقيدة بإرادة غيره الميل ، ولأنّ المضارع باشرته الواو ، وذلك لا يجوز ، وقد جاء منه شيء نادر يؤوّل على إضمار مبتدأ قبله ، لا ينبغي أن يحمل القرآن عليه ، لا سيما إذا كان للكلام محمل صحيح فصيح ، فحمله على النادر تعسف لا يجوز . .
{ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ } لم يذكر متعلق التخفيف ، وفي ذلك أقوال : أحدها أن يكون في إباحة نكاح الأمة وغيره من الرخص . الثاني في تكليف النظر وإزالة الحيرة فيما بين لكم مما يجوز لكم من النكاح وما لا يجوز . الثالث : في وضع الاصر المكتوب على من قبلنا ، وبمجيء هذه الملة الحنيفية سهلة سمحة . الرابع : بإيصالكم إلى ثواب ما كلفكم من تحمل التكاليف . الخامس : أن يخفف عنكم إثم ما ترتكبون من المآثم لجهلكم . .
وأعربوا هذه الجملة حالاً من قوله : والله يريد أن يتوب عليكم ، والعامل في الحال يريد ، التقدير : والله يريد أن يتوب عليكم مريداً أن يخفف عنكم ، وهذا الإعراب ضعيف ، لأنه قد فصل بين العامل والحال بجملة معطوفة على الجملة التي في ضمنها العامل ، وهي جملة أجنبية من العامل والحال ، فلا ينبغي أن يتجوز إلا بسماع من العرب . ولأنه رفع الفعل الواقع حالاً الاسم الظاهر ، وينبغي أن يرفع ضميره لا ظاهره ، فصار نظير : زيد يخرج يضرب زيد عمراً . والذي سمع من ذلك إنما هو في الجملة الابتدائية ، أو في شيء من نواسخها . أما في جملة الحال فلا أعرف ذلك . وجواز ذلك فيما ورد إنما هو فصيح حيث يراد التفخيم والتعظيم ، فيكون الربط في الجملة الواقعة خبراً بالظاهر . أما جملة الحال أو الصفة فيحتاج الربط بالظاهر فيها إلى سماع من العرب ، والأحسن أن تكون الجملة مستأنفة ، فلا موضع لها من الإعراب . أخبر بها تعالى عن إرادته التخفيف عنا ، كما جاء { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } . .
{ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً } قال مجاهد وطاووس وابن زيد : الإخبار عن ضعف الإنسان إنما هو في باب النساء ، أي لما علمنا ضعفكم عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء . قال طاووس : ليس يكون الإنسان أضعف منه في أمر النساء . وقال ابن المسيب : ما أيس الشيطان من بني آدم قط إلا أتاهم من النساء ، فقد أتى عليّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عيني وأنا أعشق بالأخرى ، وأن أخوف ما أخاف عليّ فتنة النساء . .
قال الزمخشري : ضعيفاً لا يصبر عن الشهوات ، وعلى مشاق الطاعات . قال ابن عطية : ثم بعد هذا المقصد أي : تخفيف الله بإباحة الإماء ، يخرج الآية مخرج التفضل ، لأنها تتناول كل ما خفف الله عن عباده وجعله الدين يسراً ، ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاماً حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب . قال الراغب : ووصف الإنسان بأنه خلق ضعيفاً ، إنما هو باعتباره بالملأ الأعلى نحو : { أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا } أو باعتباره بنفسه دون ما يعتريه من فيض الله ومعونته ، أو اعتباراً بكثرة حاجاته وافتقار بعضهم إلى بعض ، أو اعتباراً بمبدئه ومنتهاه كما قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ } فأما إذا اعتبر بعقله وما أعطاه من القوة التي يتمكن بها من خلافة الله في أرضه ويبلغ بها في الآخرة إلى جواره تعالى ، فهو أقوى ما في هذا العالم . ولهذا قال تعالى : { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } . وقال الحسن : ضعيفاً لأنه خلق من ماء مهين . قال الله تعالى : الذي خلقكم من ضعف . .
وقرأ ابن عباس ومجاهد : وخلق الإنسان مبنياً للفاعل مسنداً إلى ضمير اسم الله ، وانتصاب ضعيفاً على الحال . وقيل : انتصب على التمييز . لأنه يجوز أن يقدر بمن ، وهذا