@ 235 @ متعلق الإرادة هو التبيين ، واللام هي الناصبة بنفسها لا أن مضمرة بعدها . وقال بعض البصريين : إذا جا مثل هذا قدر الفعل الذي قبل اللام بالمصدر فالتقدير : إرادة الله لما يريد ليبين ، وكذلك أريد لا ينسى ذكرها ، أي : إرادتي لا ينسى ذكرها . وكذلك قوله تعالى : { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبّ الْعَالَمِينَ } أي : أمرنا بما أمرنا لنسلم انتهى . وهذا القول نسبه ابن عيسى لسيبويه والبصريين ، وهذا يبحث في علم النحو . .
وقال الزمخشري : أصله يريد الله أن يبين لكم ، فزيدت اللام مؤكدة لإرادة التبيين ، كما زيدت في لا أبا لك لتأكيد إضافة الأب ، والمعنى : يريد الله أن يبين لكم ما خفي عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم انتهى كلامه وهو خارج عن أقوال البصريين والكوفيين . وأما كونه خارجاً عن أقوال البصريين فلأنه جعل اللام مؤكدة مقوية لتعدي يريد ، والمفعول متأخر ، وأضمر أن بعد هذه اللام . وأما كونه خارجاً عن قول الكوفيين فإنهم يجعلون النصب باللام ، لا بأن ، وهو جعل النصب بأن مضمرة بعد اللام . وذهب بعض النحويين إلى أن اللام في قوله : ليبين لكم ، لام العاقبة ، قال : كما في قوله : ليكون لهم عدواً وحزناً ) ولم يذكر مفعول يبين . .
قال عطاء : يبين لكم ما يقربكم . وقال الكلبي : يبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير . وقيل : ما فصل من المحرمات والمحللات . وقيل : شرائع دينكم ، ومصالح أموركم . وقيل : طريق من قبلكم إلى الجنة . ويجوز عندي أن يكون من باب الإعمال ، فيكون مفعول ليبين ضميراً محذوفاً يفسره مفعول ويهديكم ، نحو : ضربت وأهنت زيداً ، التقدير : ليبينها لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ، أي ليبين لكم سنن الذين من قبلكم . .
والسنن : جمع سنة ، وهي الطريقة . واختلفوا في قوله : سنن الذين من قبلكم ، هل ذلك على ظاهره من الهداية لسننهم ؟ أو على التشبيه ؟ أي : سنناً مثل سنن الذين الذين من قبلكم . فمن قال بالأول أراد أنّ السنن هي ما حرم علينا وعليهم بالنسب والرضاع والمصاهرة . وقيل : المراد بالسنن ما عنى في قوله تعالى : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا } وقيل : المراد بها ما ذكره في قوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً } وقيل : طرق من قبلكم إلى الجنة . وقيل : مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين ، والطرق التي سلكوها في دينهم لتقتدوا بهم ، وهذا قريب مما قبله . وعلى هذا الأقوال فيكون الذين من قبلكم المراد به الأنبياء وأهل الخير . وقيل : المراد بقوله سنن طرق أهل الخير والرشد والغي ، ومن كان قبلكم من أهل الحق والباطل ، لتجتنبوا الباطل ، وتتبعوا الحق . .
والذين قالوا : إنّ ذلك على التشبيه قالوا : إن المعنى أنّ طرق الأمم السابقة في هدايتها كان بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وبيان الأحكام ، وكذلك جعل طريقكم أنتم . فأراد أن يرشدكم إلى شرائع دينكم وأحكام ملتكم بالبيان والتفصيل ، كما أرشد الذين من قبلكم من المؤمنين . وقيل : الهداية في أحد أمرين : أما أنا خوطبنا في كل قصة نهياً أو أمراً كما خوطبوا هم أيضاً في قصصهم ، وشرع لنا كما شرع لهم ، فهدايتنا سننهم في الإرشاد ، وإن اختلفت أحكامنا وأحكامهم . والأمر الثاني : أنّ هدايتنا سننهم في أنّ سمعنا وأطعنا كما سمعوا وأطاعوا ، فوقع التماثل من هذه الجهة . .
والمراد بالهداية هنا الإرشاد والتوضيح ، ولا يتوجه غير ذلك بقرينة السنن ، والذين من قبلناهم المؤمنون من كل شريعة . وقال صاحب ري الظمآن وهو أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي : قوله تعالى : يريد الله ليبين لكم ، أي : يريد أن يبين ، أو يريد إنزال الآيات ليبين لكم . وقوله تعالى : ويهديكم ، قال المفسرون : معناهما واحد ، والتكرار لأجل التأكيد ، وهذا ضعيف . والحق أنَّ المراد من الأول تبيين التكاليف ، ثم قال : ويهديكم . وفيه قولان : أحدهما : أن هذا دليل على أن كل ما بين تحريمه لنا وتحليله من النساء في الآيات المتقدمة ، فقد كان الحكم