@ 234 @ الحرائر ، لأنّ الثيب عليها الرجم . وظاهر الآية أنه لا يجب إلا هذا الحدّ . وذهب أهل الظاهر منهم داود : إلى أنه يجب بيعها إذا زنت زنية رابعة . .
وقرأ حمزة والكسائي : أحصن مبنياً للفاعل ، وباقي السبعة : مبنياً للمفعول إلا عاصماً ، فاختلف عنه . ومن بناه للمفعول فهو ظاهر حدًّا في أنه أريد به التزوج ، ويقوى حمله مبنياً للفاعل على هذا المعنى أي : أحصن أنفسهن بالتزويج . وجواب فإذا الشرط وجوابه وهو قوله : فإن أتين بفاحشة فعليهن ، فالفاء في : فإن أتين هي فاء الجواب ، لا فاء العطف ، ولذلك ترتب الثاني ، وجوابه على وجود الأول ، لأنّ الجواب مترتب على الشرط في الوجود ، وهو نظير : إن دخلت الدار فإن كلمت زيداً فأنت طالق ، لا يقع الطلاق إلا إذا دخلت الدار أولاً ثم كلمت زيداً ثانياً . ولو أسقطت الفاء من الشرط الثاني لكان له حكم غير هذا ، وتفصيل ذكر في النحو . ومن العذاب في موضع الحال من الضمير المستكن في صلة ما . .
{ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } ذلك إشارة إلى نكاح عادم طول الحرّة المؤمنة . والعنت : هو الزنا . قاله : ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، والضحاك ، وعطية العوفي ، وعبد الرحمن بن زيد . والعنت : أصله المشقة ، وسمي الزنا عنتاً باسم ما يعقبه من المشقة في الدنيا والآخرة . قال المبرد : أصل العنت أن يحمله العشق والشبق على الزنا ، فيلقى العذاب في الآخرة ، والحدّ في الدنيا . وقال أبو عبيدة والزجاج : العنت الهلاك . وقالت طائفة : الحد . وقالت طائفة : الإثم الذي تؤدي إليه غلبة الشهوة . وظاهر هذا أنه إذا لم يخش العنت لا يجوز له نكاح الأمة . والذي دلّ عليه ظاهر القرآن : أنه لا يجوز نكاح الحرّ الأمة إلا بثلاثة شروط : { اثْنَانِ * فِى } وهما : عدم طول الحرّة المؤمنة ، وخوف العنت . وواحد في الأمة وهو الإيمان . .
{ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } ظاهره الإخبار عن صبر خاص ، وهو غير نكاح الإماء ، وقاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير والسدي : وجهة الخيرية كونه لا يرق ولده ، وأن لا يبتذل هو ، وينتقص في العادة بنكاح الأمة . وفي سنن ابن ماجة من حديث أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( من أراد أن يلقى الله طاهراً مطهراً فليتزوج الحرائر ) وجاء في الحديث : ( انكحوا الأكفاء واختاروا لنطفكم ) . وقيل : المراد وإن تصبروا عن الزنا بنكاح لإماء خير لكم ، وعلى هذا فالخيرية ظاهرة . ويكون على هذا القول في الآية إيناس لنكاح الإماء ، وتقريب منه ، إذ كانت العرب تنفر عنه . وإذا جعل : وإن تصبروا عاماً ، اندرج فيه الصبر المقيد وهو : عن نكاح الإماء ، وعن الزنا . إذ الصبر خير ، من عدمه ، لأنه يدل على شجاعة النفس وقوة عزمها ، وعظم إبائها ، وشدة حفاظها . وهذا كله يستحسنه العقل ، ويندب إليه الشرع ، وربما أوجبه في بعض المواضع . وجعل الله تعالى أجر الصابر موفاة بغير حساب ، وقد قال بعض أهل العلم : إنّ سائر العبادات لا بد لها من الصبر . قال تعالى : { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ } . .
{ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لما ندب بقوله : وأن تصبروا إلى الصبر عن نكاح الإماء ، صار كأنه في حيز الكراهة ، فجاء بصفة الغفران المؤذنة بأنَّ ذلك مما سامح فيه تعالى ، وبصفة الرحمة حيث رخص في نكاحهن وأباحه . .
{ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } مفعول يتوب محذوف وتقديره : يريد الله هذا هو مذهب سيبويه فيما نقل ابن عطية ، أي : تحليل ما حلل ، وتحريم ما حرم ، وتشريع ما تقدّم ذكره . والمعنى : يريد الله تكليف ما كلف به عباده مما ذكر لأجل التبيين لهم بهدايتهم ، فمتعلق الإرادة غير التبيين وما عطف عليه ، هذا مذهب البصريين . ولا يجوز عندهم أن يكون متعلف الإرادة التبيين ، لأنه يؤدي إلى تعدي الفعل إلى مفعوله المتأخر بوساطة اللام ، وإلى إضمار أنّ بعد لام ليست لام الجحود ، ولا لام كي ، وكلاهما لا يجوز عندهم . ومذهب الكوفيين : أن