@ 210 @ إسرائيل أماتهم الله ، ثم أحياهم وكلفهم ، فدل على أنّ مشاهدة الموت لا تخل بالتكليف ، ولأن الشدائد التي تلقاها عند قرب الموت ليست أكثر مما تلقاها بالقولنج والطلق وغيرهما ، وليس شيء من هذه يمنع من بقاء التكليف ، فكذلك تلك . ولأنّه عند القرب يصير مضطراً فيكون ذلك سبباً للقبول ، ولكنه تعالى يفعل ما يشاء . وعد بقبول التوبة في بعض الأوقات ، وبعدله أخبر عن عدم قبولها في وقت آخر ، وله أن يجعل المقبول مردود ، والمردود مقبولاً ، { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ } وقد رد على المعتزلة في دعواهم سقوط التكليف بالعلم بالله إذا صار ضرورة ، وفي دعواهم أنّ مشاهدة أحوال الآخرة يوجب العلم بالله على سبيل الاضطرار . .
وقال الربيع : نزلت وليست التوبة في المسلمين ، ثم نسخها : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } فحتم أن لا يغفر للكافرين ، وأرجى المؤمنين إلى مشيئته . وطعن على ابن زيد : بأن الآية خبر ، والأخبار لا تنسخ . وأجيب : بأنها تضمنت تقرير حكم شرعي ، فيجوز نسخ ذلك الحكم ، ولا يحتاج إلى ادعاء نسخ ، لأن هذه الآية لم تتضمن أنَّ من لا توبة له مقبولة من المؤمنين لا يغفر له ، فيحتاج أن ينسخ بقوله : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . وظاهر قوله : ولا الذين يموتون وهم كفار أن هؤلاء مغايرون لقوله : الذين يعملون السيئات ، لأنّ أصل المتعاطفين أن يكونا غيرين ، وللتأكيد بلا المشعرة بانتفاء الحكم عن كل واحد تقول : هذا ليس لزيد وعمرو بل لأحدهما ، وليس هذا لزيد ولا لعمر ، وفينتفي عن كل واحد منهما ، ولا يجوز أن تقول : بل لأحدهما ، وليس هذا لزيد ولا لعمرو ، فينتفي عن كل واحد منهما ، ولا يجوز أن تقول : بل لأحدهما . وإذا تقرر هذا اتضح ضعف قول الزمخشري في قوله : ( فإن قلت ) : من المراد بالذين يعملون السيئات ، أهم الفساق من أهل القبلة ، أم الكفار ؟ ( قلت ) : فيه وجهان : أحدهما : أن يراد به الكفار لظاهر قوله : وهم كفار ، وأن يراد الفساق لأن الكلام إنما وقع في الزانيين ، والإعراض عنهما إن تابا وأصلحا ، ويكون قوله : وهم كفار وارداً على سبيل التغليظ كقوله : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } وقوله : ( سقط : فليمت إن شاء يهوديا ، أو نصرانيا من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر ، لأن من كان مصدقا ، ومات وهو لا يحدث نفسه بالتوبة حاله قريبة من حالة الكافر ، لأنه لا يجتري على ذلك إلا قلب مصمت انتهى كلامه ، وهو في غاية الاضطراب ، لأنه قبل ذلك حمل الآية على أنها دالة على قسمين ، أحدهما الذين سوفوا التوبة إلى حضور الموت ، والثاني الذين ماتوا على الكفر ، وفي هذا الجواب حمل الآية ، على أنها أريد بها أحد القسمين ، إما الكفار فقط ، وهو الذين وصفوا عنده ، بأنهم يعملون السيئات ، ويموتون على الكفر ، وعلل هذا الوجه بقوله لظاهر قوله ( وهم كفار ) فجعل هذه الحالة على أنه أريد بالذين يعملون السيئات هم الكفار ، وإما الفساق من المؤمنين ، فيكون قوله ( وهم كفار ) لا يراد به الكفر حقيقة ، ولا أنهم يوافون على الكفر حقيقة ، وإنما جاء ذلك على سبيل التغليظ عنده ، فقد خالف تفسيره في هذا الجواب صدر تفسيره للآية أولا ، وكل ذلك انتصار لمذهبه ، حتى يترتب العذاب إما للكافر ، وإما للفاسق ، فخرج بذلك عن قوانين النحو ، والحمل على الظاهر لأنه قوله ( وهم كفار ) ليس ظاهره إلا أنه قيد في قوله ( ولا الذين يموتون ) وظاهره الموافاة على الكفر حقيقة ، وكما أنه شرط في انتفاء قبول التوبة الذين يعملون السيئات وإيقاعها في حال حضور الموت ، وكذلك شرط في ذلك كفرهم حالة الموت وظاهر العطف التغاير والزمخشري كما قيل في المثل ، حبك الشي يعمي ويصم ، وجاء ( يعلمون ) بصيغة المضارع ، لا بصيغة الماضي إشعارا بأنهم مصرون على عمل السيئات إلى أن يحضره الموت ، وظاهر قوله ( تبت الآن ) توبة شريطية ، فلم تقبل ، لأنه لم يقطع بها ، وقوله ( وليست التوبة ) ظاهره النفي ، لوجودها ، والمعنى على نفي القبول أي : أت توبتهم وإن وجدت ليست مقبولة ، وظاهر قوله ( ولا الذين يموتون وهم كفار ) وقوع الموت حقيقة ، فالمعنى أنهم لو تابوا في الآخرة لم تقبل توبتهم ، لأنه لا يمكن ذلك في الدنيا ، لأنهم ماتوا ملتبسين في الكفر ، قيل : يحتمل أن يراد