@ 208 @ عليه . وأجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) على أن كل معصية هي بجهالة عمداً كانت أو جهلاً . وقال الكلبي : بجهالة أي لا يجهل كونها معصية ، ولكن لا يعلم كنه العقوبة . وقال عكرمة : أمور الدّنيا كلها جهالة ، يعني ما اختص بها وخرج عن طاعته الله . وقال الزجاج : جهالته من حيث آثر اللذة الفانية على اللذة الباقية ، والحظ العاجل على الآجل . وقيل : الجهالة الإصرار على المعصية ، ولذلك عقبه بقوله : ثم يتوبون من قريب . وقيل : معناه فعله غير مصرّ عليه ، فأشبه الجاهل الذي لا يتعمد الشيء . وقال الترمذي : جهل الفعل الوقوع فيه من غير قصد ، فيكون المراد منه العفو عن الخطأ ، ويحتمل قصد الفعل والجهل بموقعه أي : حرام ، أو في الحرمة : أي : قدر هي فيرتكبه مع الجهالة بحاله ، لا قصد الاستخفاف به والتهاون به . والعمل بالجهالة قد يكون عن غلبة شهوة ، فيعمل لغرض اقتضاء الشهوة على طمع أنه سيتوب من بعد ويصير صالحاً ، وقد يكون على طمع المغفرة والاتكال على رحمته وكرمه . وقد تكون الجهالة جهالة عقوبة عليه . .
ومعنى من قريب : أي من زمان قريب . والقرب هنا بالنسبة إلى زمان المعصية ، وهي بقية مدة حياته إلى أن يغرغر ، أو بالنسبة إلى زمان مفارقة الرّوح . فإذا كانت توبته تقبل في هذا الوقت فقبولها قبله أجدر ، وقد بين غاية منع قبول التوبة في الآية بعدها بحضور الموت . وقيل : قبل أن يحيط السوء بحسناته ، أي قبل أن تكثر سيئاته وتزيد على حسناته ، فيبقى كأنه بلا حسنات . وقيل : قبل أن تتراكم ظلمات قلبه بكثرة ذنوبه ، ويؤديه ذلك إلى الكفر المحيط . وقال عكرمة والضحاك ومحمد بن قيس وأبو مجلز وابن زيد وغيرهم : قبل المعاينة للملائكة والسوق . وقال ابن عباس والسدي : قبل المرض والموت . فذكر ابن عباس أحسن أوقات التوبة ، وذكر من قبله آخر وقتها . وقال ابن عباس أيضاً : قبل أن ينزل به سلطان الموت ، وروى أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم ) : ( أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) وعن الحسن أن إبليس قال حين أهبط إلى الأرض : وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده ، فقال : وعزتي لا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر . قيل : وسميت هذه المدة قريبة لأن الأجل آتِ ، وكل ما هو آت قريب . وتنبيهاً على أن مدة عمر الإنسان وإن طالت فهي قليلة قريبة ، ولأنّ الإنسان يتوقع كل لحظة نزول الموت به ، وما هذه حاله فإنه يوصف بالقرب . .
وارتفاع التوبة على الابتداء ، والخبر هو على الله ، وللذين متعلق بما يتعلق به على الله ، والتقدير : إنما التوبة مستقرة على فضل الله وإحسانه للذين . وقال أبو البقاء : في هذا الوجه يكون للذين يعملون السوء حالاً من الضمير في قوله : على الله ، والعامل فيها الظرف ، والاستقرار أي ثابتة للذين انتهى . ولا يحتاج إلى هذا التكلف . وأجاز أبو البقاء أن يكون الخبر للذين ، ويتعلق على الله بمحذوف ، ويكون حالاً من محذوف أيضاً والتقدير : إنما التوبة إذا كنت ، أو إذ كانت على الله . فإذا وإذ ظرفان العامل فيهما للذين ، لأن الظرف يعمل فيه المعنى وإن تقدم عليه . وكان تامة ، وصاحب الحال ضمير الفاعل لكان . قال : ولا يجوز أن يكون على الله حالاً يعمل فيها للذين ، لأنه عامل معنوي ، والحال لا يتقدم على المعنوي . ونظير هذه المسألة قولهم : هذا بسرا أطيب منه رطباً انتهى . وهو وجه متكلف في الإعراب ، غير متضح في المعنى ، وبجهالة في موضع الحال أي : مصحوبين بجهالة . ويجوز عندي أن تكون باء السبب أي الحامل