@ 179 @ وتأنس إليه ويقتضيه الشرع ، فإن كان المراد بالسفهاء المحجورين ، فمن المعروف وعدهم الوعد الحسن بأنكم إذا رشدتم سلمنا إليكم أموالكم قاله : ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، ومقاتل ، وابن جريج . وقال عطاء : إذا ربحت أعطيتك ، وإذا غنمت في غزاتي ، جعلت لك حظاً . وإن كان المراد النساء والبنين الأصاغر والسفهاء الأجانب ، فتدعو لهم : بارك الله فيكم ، وحاطكم ، وشبهه قاله : ابن زيد . وقال الضحاك : الرد الجميل . ولما أمرالله تعالى أولاً بإيتاء اليتامى بقوله : { وَءاتُواْ الْيَتَامَى أَمْوالَهُمْ } وأمر ثانياً بإيتاء أموال النساء بقوله : { وَءاتُواْ النّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ } وكان ذلك عاماً من غير تخصيص بين في هذه الآية . إنَّ ذلك الإيتاء إنما هو لغير السفيه ، وخص ذلك العموم ، وقيد الإطلاق الذي في الأمر بالإيتاء . .
{ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ ءانَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ } قيل : توفي رفاعة وترك ابنه ثابتاً صغيراً فسأل : إنَّ ابن أخي في حجري ، فما يحل لي من ماله ، ومتى أدفع إليه ماله ؟ فنزلت . وقيل : توفي أوس بن ثابت ، ويقال : أوس بن سويد عن زوجته أم كجه وثلاث بنات وابني عم سويد . وقيل : قتادة وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا المرأة ولا البنات شيئاً . وقيل : المانع ارثهن هو عم بنيها واسمه : ثعلبة . وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا البنات ولا الابن الصغير الذكر ، فشكتهما أم كجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فدعاهما ، فقال : لا يا رسول الله ، ولدها لا يركب فرساً ، ولا يحمل كلا ، ولا ينكى عدواً فقال : ( انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله ) فنزلت . .
وابتلاء اليتامى اختبارهم في عقولهم قاله : ابن عباس والسدي ، ومقاتل ، وسفيان . أو في عقولهم ودينهم وحفظهم لأموالهم وحسن تصرفهم فيها . ذكره : الثعلبي . وكيفية اختبار الصغير أن يدفع إليه نزر يسيرمن المال يتصرف فيه ، والوصي يراعي حاله فيه لئلا يتلفه . واختبار الصغيرة أن يرد إليها أمر البيت والنظر في الاستغزال دفعاً وأجرة واستيفاء . واختلاف كل منهما بحال ما يلق به وبما يعانيه من الأشغال والصنائع ، فإذا أنس منه الرشد بعد البلوغ والاختبار دفع إليه ماله ، وأشهد عليه هذا ظاهر الآية ، وهو يعقب الدفع . والإشهاد الإيناس المشروط . وقال ابن سيرين : لا يدفع إليه بعد الإيناس والاختبار المذكورين حتى تمضي عليه سنة وتداولة الفصول الأربع ، ولم تتعرض الآية لسن البلوغ ، ولا بماذا يكون . وتكلم فيها هنا بعض المفسرين . والكلام في البلوغ مذكور في كتب الفقه . وظاهر الآية أنه إن لم يؤنس منه رشد بقي محجوراً عليه دائماً ، ولا يدفع إليه المال ، وبه قال الجمهور . وقال النخعي وأبو حنيفة : ينتظر به خمس وعشرون سنة ، ويدفع إليه ماله أونس منه الرشد أو لم يؤنس . وظاهر الآية يدل على استبداد الوصي بالدفع والاستقلال به . وقالت طائفة : يفتقر إلى أن يدفعه إلى السلطان ويثبت عنده رشده ، أو يكون ممن يأمنه الحاكم . وظاهر عموم اليتامى اندراج البنات في هذا الحكم ، فيكون حكمهن حكم البنين في ذلك . فقيل : يعتبر رشدها ، وإن لم تتزوج بالبلوغ . وقيل : المدة بعد الدخول خمسة أعوام . وقيل : سنة . وقيل : سبعة في ذاب الأب ، وعام واحد في اليتيمة التي لا وصي لها . .
وحتى هنا غاية للابتلاء ، ودخلت على الشرط وهو : إذاً ، وجوابه : فإن آنستم ، وجوابه وجواب إن آنستم : فادفعوا . وإيناس الرشد مترتب على بلوغ النكاح ، فيلزم أن يكون بعده . وحتى إذا دخلت على الشرط لا تكون عاملة ، بل هي التي تقع بعدها الجمل كقوله