@ 154 @ نظير قوله في الأمر : { اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } { خَبِيراً يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ } وقد جعل النهي في الظاهر للتقلب ، وهو في المعنى للمخاطب . وهذا من تنزيل السبب منزلة المسبب ، لأن التقلب لو غره لاغتر به ، فمنع السبب ليمتنع المسبب انتهى كلامه . وملخص الوجهين اللذين ذكرهما : أن يكون الخطاب له والمراد أمّته ، أوله على جهة التأكيد والتنبيه ، وإن كان معصوماً من الوقوع فيه كما قيل : % ( قد يهزّ الحسام وهو حسام % .
ويجب الجواد وهو جواد .
) % .
وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب : لا يغرنك ولا يصدنك ولا يغرنكم وشبهه بالنون الخفيفة . وتقلبهم : هو تصرفهم في التجارات قاله : ابن عباس ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج . أو ما يجري عليهم من النعم قاله : عكرمة ، ومقاتل . أو تصرّفهم غير مأخوذين بذنوبهم قاله : بعض المفسرين . .
{ مَتَاعٌ قَلِيلٌ } أي ذلك التقلب والتبسط شيء قليل متعوا به ، ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد . وقلته باعتبار انقضائه وزواله ، وروي : { مَا * الدُّنْيَا فِى الاْخِرَةِ إِلاَّ * مّثْلُ مَا * يَجْعَلْ * أَحَدَكُمُ * مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ } أخرجه الترمذي . .
وروي : { مَا } أو باعتبار ما فاتهم من نعيم الآخرة ، أو باعتبار ما أعدّ الله للمؤمنين من الثواب . .
{ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } ثم المكان الذي يأوون إليه إنما هو جهنم ، وعبر بالمأوى إشعاراً بانتقالهم عن الأماكن التي تقلبوا فيها وكان البلاد التي تقلبوا فيها إنما كانت لهم أماكن انتقال من مكان إلى مكان ، لا قرار لهم ولا خلود . ثم المأوى الذي يأوون إليه ويستقرّون فيه هو جهنم . .
{ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } أي وبئس المهاد جهنم . وقال الحطيئة : % ( أطوّف ما أطوى ثم آوى % .
إلى بيت قعيدته لكاع .
) % .
{ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } لما تضمن ما تقدم إن ذلك التقلب والتصرف في البلاد هو متاع قليل ، وإنهم يأوون بعد إلى جهنم ، فدل على قلّة ما متعوا به ، لأنّ ذلك منقض بانقضاء حياتهم ، ودلّ على استقرارهم في النار . استدرك بلكن الأخبار عن المتقين بمقابل ما أخبر به عن الكافرين ، وذلك شيئان : أحدهما مكان استقرار وهي الجنات ، والثاني ذكر الخلود فيها وهو الإقامة دائماً والتمتع بنعيمها سرمداً . فقابل جهنم بالجنات ، وقابل قلة متاعهم بالخلود الذي هو الديمومة في النعيم ، فوقعت لكن هنا أحسن موقع ، لأنه آل معنى الجملتين إلى تكذيب الكفار وإلى تنعيم المتقين ، فهي واقعة بين الضدين . وقرأ الجمهور : لكنْ خفيفة النون . وقرأ أبو جعفر : بالتشديد ، ولم يظهر لها عمل ، لأن اسمها مبني . .
{ نُزُلاٍ مّنْ عِندِ اللَّهِ } النزل ما يعد للنازل من الضيافة والقرى . ويجوز تسكين راية ، وبه قرأ : الحسن ، والنخعي ، ومسلمة بن محارب ، والأعمش . وقال الشاعر : % ( وكنا إذا الجبار بالجيش خافنا % .
جعلنا القنا والمرهفات له نزلا .
) %