@ 149 @ رُسُلِكَ } الظاهر أنهم سألوا ربهم أن يعطيهم ما وعدهم على رسله ، ففسر هذا الموعود به بالجنة قاله : ابن عباس . وقيل : الموعود به النصر على الأعداء . وقيل : استغفار الأنبياء ، كاستغفار نوح وابراهيم ورسول الله صلى الله عليه وسلم ) وعليهم أجمعين ، واستغفار الملائكة لهم . .
وقوله : على رسلك هو على حذف مضاف ، فقدره الطبري وابن عطية : على ألسنة رسلك . وقدره الزمخشري : على تصديق رسلك . قال : فعلى هذه صلة للوعد في قولك : وعد الله الجنة على الطاعة . والمعنى : ما وعدتنا على تصديق رسلك . ألا تراه كيف اتبع ذكر المنادي للإيمان وهو الرسول ، وقوله : آمنا وهو التصديق . ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف أي : ما وعدتنا منزلاً على رسلك ، أو محمولاً على رسلك ، لأنَّ الرسل يحملون ذلك ، فإنما عليه ما حمل انتهى . وهذا الوجه الذي ذكر آخراً أنه يجوز لبس بجائز ، لأن من قواعد النحويين أن الجارّ والمجرور والظرف متى كان العامل فيهما مقيداً فلا بد من ذكر ذلك العامل ، ولا يجوز حذفه ، ولا يحذف العامل إلا إذا كان كوناً مطلقاً . مثال ذلك : زيد ضاحك في الدار ، لا يجوز حذف ضاحك ألبتة . وإذا قلت : زيد في الدار فالعامل كون مطلق يحذف . وكذلك زيد ناج من بني تميم ، لا يجوز حذف ناج . ولو قلت : زيد من بني تميم جاز على تقدير كائن من بني تميم ، والمحذوف فيما جوزه الزمخشري وهو قوله : منزلاً أو محمولاً ، لا يجوز حذفه على ما تقرر في علم النحو . وإذا كان العامل في الظرف أو المجرور مقيداً صار ذلك الظرف أو المجرور ناقصاً ، فلا يجوز أن يقع صلة ، ولا خبر إلا في الحال . ولا في الأصل ، ولاصفة ، ولا حالاً ، ولا معنى سؤالهم : أن يعطيهم ما وعدهم ، أن يثيبهم على الإيمان والطاعة حتى يكونوا ممن يؤتيهم الله ما وعد المؤمنين ، ومعلوم أنه تعالى منجز ما وعد ، فسألوا إنجاز ما ترتب على الإيمان . والمعنى : التثبيت على الإيمان حتى يكونوا ممن يستحق برحمة الله تعالى إنجاز الوعد . وقيل : هذا السؤال جاء على سبيل الالتجاء إلى الله تعالى والتضرّع له ، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستغفرون ، مع علمهم أنهم معفور لهم ، يقصدون بذلك التذلل والتضرع إليه والالتجاء . وقيل : استبطؤوا النصر الذي وعدوا به فسألوا أن يعجل لهم وعده ، فعلى هذا وهو أن يكون الموعود به النصر يكون الإيتاء في الدّنيا ، وعلى ن يكون الجنة يكون الإيتاء في الآخرة . وقرأ الأعمش : على رسلك بإسكان السين . .
{ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } فسر الإخزاء هنا بما فسر في فقد أخزيته . ويوم القيامة معمول لقوله : ولا تخزنا . ويجوز أن يكون من باب الإعمال ، إذ يصلح أن يكون منصوباً بتخزنا وبآتنا ما وعدتنا ، إذا كان الموعود به الجنة . .
{ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } ظاهره أنه تعليل لقوله : { رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا } . وقال ابن عطية : إشارة إلى قوله تعالى : { يَوْمٌ لاَّ * إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ } فهذا وعده تعالى ، وهو دال على أنّ الخزي إنما هو مع الخلود انتهى . .
وانظر إلى حسن محاورة هؤلاء الذاكرين المتفكرين ، فإنهم خاطبوا الله تعالى بلفظة ربنا ، وهي إشارة إلى أنه ربهم أصلحهم وهيأهم للعباد ، فأخبروا أولاً بنتيجة الفكر وهو قولهم : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } ثم سألوه أن يقيهم النار بعد تنزيهه عن النقائص . وأخبروا عن حال من يدخل النار وهم الظالمون الذين لا يذكرون الله ، ولا يتفكرون في مصنوعاته . ثم ذكروا أيضاً ما أنتج لهم الفكر من إجابة الداعي إلى الإيمان ، إذ ذاك مترتب على أنه تعالى ما خلق هذا الخلق العجيب باطلاً . ثم سألوا غفران ذنوبهم ووفاتهم على الإيمان الذي أخبروا به في قولهم : فآمنا . ثم سألوا الله الجنة وإنْ لا يفضحهم يوم القيامة ، وذلك هو غاية ما سألوه . .
وتكرر لفظ ربنا خمس مرات ، كلّ ذلك على سبيل الاستعطاف وتطلب رحمة الله تعالى بندائه بهذا الاسم الشريف الدال على التربية والملك