@ 133 @ يعلمون إلا ما علمهم الله ، ولا يخبرون إلا بما أخبر الله به من الغيوب ، وليسوا من علم الغيب في شيء انتهى . .
{ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } رتب حصول الأجر العظيم على الإيمان ، والمعنى : الإيمان السابق ، وهو الإيمان بالله ورسله ، وعلى التقوى وهي زائدة على الإيمان ، وكأنها مرادة في الجملة السابقة فكأنه قيل : فآمنوا بالله ورسله واتقوا الله . .
{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } قال السدي وجماعة : نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله . وقال ابن عباس في رواية عطية ، ومجاهد وابن جريج وجماعة ، واختاره الزجاج : في أهل الكتاب وبخلهم وتبيان ما علمهم الله من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ) . وقيل : نزلت في مانعي الزكاة المفروضة قاله : ابن مسعود ، وأبو هريرة ، وابن عباس في رواية أبي صالح والشعبي ومجاهد . وقيل : في النفقة على العيال وذوي الأرحام . .
ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما بالغ في التحريض على بذل الأرواح في الجهاد في الآيات السابقة ، شرع في التحريض هنا على بذل الأموال في الجهاد وغيره ، وبيّن الوعيد الشديد لمن يبخل ، والبخل الشرعي عبارة عن منع بذل الواجب . وقرأ حمزة تحسين بالتاء ، فتكون الذين أول مفعولين لتحسبن ، وهو على حذف مضاف أي : بخل الذين . وقرأ باقي السبعة بالياء . فإنْ كان الفعل مسنداً إلى الضمير ، فيكون المفعول الأول محذوفاً تقديره : بخلهم ، وحذف لدلالة يبخلون عليه . وحذفه كما قلنا : عزيز جداً عند الجمهور ، فلذلك الأولى تخريج هذه القراءة على قراءة التاء من كون الذين هو المفعول الأول على حذف مضاف ، وهو فصل . وقرأ الأعمش بإسقاط هو ، وخيراً هو المفعول بتحسبن . قال ابن عطية : ودل قوله : يبخلون على هذا البخل المقدر ، كما دل السفيه على السفه في قول الشاعر : % ( إذا نهى السفيه جرى إليه % .
وخالف والسفيه إلى خلاف .
) % .
والمعنى : جرى إلى السفه انتهى . وليست الدلالة فيهما سواء لوجهين : أحدهما أن الدال في الآية هو الفعل ، وفي البيت هو اسم الفاعل ، ودلالة الفعل على المصدر أقوى من دلالة اسم الفاعل ، ولذلك كثر إضمار المصدر لدلالة الفعل عليه في القرآن وكلام العرب ، ولم تكثر دلالة اسم الفاعل على المصدر إنما جاء في هذا البيت أو في غيره إنْ وجد . والثاني أن في الآية حذفاً لظاهر ، إذ قدروا المحذوف بخلهم ، وأما في البيت فهو إضمار ، لا حذف . ويظهر لي تخريج غريب في الآية تقتضيه قواعد العربية ، وهو أن تكون المسألة من باب الإعمال ، إذا جعلنا الفعل مسنداً للذين ، وذلك أن تحسبن تطلب مفعولين ، ويبخلون يطلب مفعولاً بحرف جر ، فقوله : ما آتاهم يطلبه يحسبن ، على أن يكون المفعول الأول ، ويكون هو فصلاً ، وخيراً المفعول الثاني ويطلبه يبخلون بتوسط حرف الجر ، فاعمل الثاني على الأفصح في لسان العرب ، وعلى ما جاء في القرآن وهو يبخلون . فعدى بحرف الجر واحد معموله ، وحذف معمول تحسين الأول ، وبقي معموله الثاني ، لأنه لم يتنازع فيه ، إنما التنازع بالنسبة إلى المفعول الأول . وساغ حذفه وحده ، كما ساغ حذف المفعولين في مسألة سيبويه : متى رأيت أو فلت : زيد منطلق ، لأن رأيت وقلت في هذه المسألة تنازعا زيد منطلق ، وفي الآية : لم يتنازعا إلا في المفعول الواحد ، وتقدير المعنى : ولا تحسبن ما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم الناس الذين يبخلون به ، فعلى هذا التقدير والتخريج يكون هو فصلاً لما آتاهم المحذوف ، لا لتقديرهم بخلهم . ونظير هذا