@ 223 @ السماء رعداً وبرقت برقاً ، روعي حكم أصلهما وإن كان المعنى على الجمع ، كما قالوا : رجل خصم ، ونكرت ظلمات ورعد وبرق ، لأن المقصود ليس العموم ، إنما المقصود اشتمال الصيب على ظلمات ورعد وبرق . .
والضمير في يجعلون عائد على المضاف المحذوف للعلم به ، لأنه إذا حذف ، فتارة يلتفت إليه حتى كأنه ملفوظ به فتعود الضمائر عليه كحاله مذكوراً ، وتارة يطرح فيعود الضمير الذي قام مقامه . فمن الأول هذه الآية وقوله تعالى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِى بَحْرٍ لُّجّىّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ } ، التقدير ، أو كذي ظلمات ، ولذلك عاد الضمير المنصوب عليه في قوله : يغشاه . ومما اجتمع فيه الالتفات والاطراح قوله تعالى : { وَكَم مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } المعنى من أهل قرية فقال : فجاءها ، فأطرح المحذوف وقال : أو هم ، فالتفت إلى المحذوف . والجملة من قوله : يجعلون لا موضع لها من الإعراب ، لأنها جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد ؟ فقيل : يجعلون ، وقيل : الجملة لها موضع من الإعراب وهو الجر لأنها في موضع الصفة لذوي المحذوف ، كأنه قيل : جاعلين ، وأجاز بعضهم أن تكون في موضع نصب على الحال من الضمير الذي هو الهاء في فيه . والراجع على ذي الحال محذوف ثابت الألف واللام عنه التقدير من صواعقه . .
وأراد بالأصابع بعضها ، لأن الأصبع كلها لا تجعل في الأذن ، إنما تجعل في الأنملة ، لكن هذا من الاتساع ، وهو إطلاق كل على بعض ، ولأن هؤلاء لفرط ما يهولهم من إزعاج الصواعق كأنهم لا يكتفون بالأنملة ، بل لو أمكنهم السد بالأصبع كلها لفعلوا ، وعدل عن الإسم الخاص لما يوضع في الأذن إلى الاسم العام ، وهو الأصبع ، لما في ترك لفظ السبابة من حسن أدب القرآن ، وكون الكنايات فيه تكون بأحسن لفظ ، لذلك ما عدل عن لفظ السبابة إلى المسبحة والمهللة وغيرها من الألفاظ المستحسنة ، ولم تأت بلفظ المسبحة ونحوها لأنها ألفاظ مستحدثة ، لم يتعارفها الناس في ذلك العهد ، وإنما أحدثت بعد . .
وقرأ الحسن : من الصواقع ، وقد تقدم أنها لغة تميم ، وأخبرنا أنها ليست من المقلوب ، والجعل هنا بمعنى الإلقاء والوضع كأنه قال : يضعون أصابعهم ، ومن تتعلق بقوله يجعلون ، وهي سببية ، أي من أجل الصواعق وحذر الموت مفعول من أجله ، وشروط المفعول من أجله موجودة فيه ، إذ هو مصدر متحد بالعامل فاعلاً وزماناً ، هكذا أعربوه ، وفيه نظر لأن قوله : من الصواعق هو في المعنى مفعول من أجله ، ولو كان معطوفاً لجاز ، كقول الله تعالى : { ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ } وتثبيتاً من أنفسهم ، وقول الراجز : % ( يركب كل عاقر جمهور % .
مخافة وزعل المحبور .
) % .
والهول من تهول الهبور .
وقالوا أيضاً : يجوز أن يكون مصدراً ، أي يحذرون حذر الموت ، وهو مضاف للمفعول . وقرأ قتادة ، والضحاك بن مزاحم ، وابن أبي ليلى : حذار الموت ، وهو مصدر حاذر ، قالوا وانتصابه على أنه مفعول له . .
الإحاطة هنا : كناية عن كونه تعالى لا يفوتونه ، كما لا يفوت المحاط المحيط به ، فقيل : العلم وقيل : بالقدرة ، وقيل : بالإهلاك . وهذه الجملة اعتراضية لأنها دخلت بين هاتين الجملتين اللتين هما : يجعلون أصابعهم ، { يُرِيكُمُ الْبَرْقَ } ، وهما من قصة واحدة . وقد تقدم لنا أن هذا التمثيل من التمثيلات المركبة ، وهو الذي تشبه فيه إحدى الجملتين بالأخرى في أمر من الأمور ، وإن لم يكن آحاد إحدى الجملتين شبيهة بآحاد الجملة الأخرى ، فيكون المقصود تشبيه