@ 107 @ البخاري ومسلم . ففي الحديث ذكر الغلول وعظمه وعظم أمره ، ثم قال : ( لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : ما أملك لك من الله شيئاً ، قد أبلغتك ) الحديث وكذلك ما جاء في حديث ابن اللتبية : ( والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئاً إلا جاء به يحمله يوم القيامة على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ) . وروي عنه أيضاً وفرس له حمجة وفي حديث مدعم : ( أن الشملة التي غلت من المغانم يوم حنين لتشتعل عليه ناراً ومجيئه بما غلّ فضيحة له على رؤوس الاشهاد يوم القيامة ) وقال الكلبي بمثل له ذلك الشيء الذي غله في النار ، ثم يقال له : انزل فخذه ، فينزل فيحمله على ظهره فإذا بلغ صومعته وقع في النار ، ثم كلف أن ينزل إليه فيخرجه ، يفعل ذلك به . وقيل : يأتي حاملاً إثْم ما غلَّ . وقيل : يؤخذ من حسناته عوض ما غل . وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم الغلول والوعيد عليه . .
{ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } هذه جملة معطوفة على الجملة الشرطية لما ذكر من مسألة الغلول ، وما يجري لصاحبها يوم القيامة . ذكر أن ذلك الجزاء ليس مختصاً بمن غلّ ، بل كل نفس توفى جزاء ما كسبت من غير ظلم ، فصار الغال مذكوراً مرتين : مرّة بخصوصه ، ومرّة باندراجه في هذا العام ليعلم أنه غير متخلص من تبعة ما غل ، ومن تبعة ما كسبت من غير الغلول . وتقدّم تفسير هذه الجملة ، فأغنى عن إعادته هنا . .
{ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } هذا لاستفهام معناه النفي ، أي ليس من اتبع رضا الله فامتثل أوامره واجتنب مناهيه كمن عصاه فباء بسخطه ، وهذا من الاستعارة البديعية . جعل ما شرعه الله كالدليل الذي يتبعه من يهتدي به ، وجعل العاصي كالشخص الذي أمر بأن يتبع شيئاً عن اتباعه ورجع مصحوباً بما يخالف الاتباع . وفي الآية من حيث المعنى حذف والتقدير : أفمن اتبع ما يؤول به إلى رضا الله عنه ، فباء برضاه كمن لم يتبع ذلك فباء بسخطه . وقال سعيد بن جبير والضحاك والجمهور : أفمن اتبع رضوان الله فلم يغل كمن باء بسخط من الله حين غل . وقال الزجاج : أفمن اتبع رضوان الله باتباع الرسول يوم أحد ، كمن باء بسخط من الله بتخلفه وهم جماعة من المنافقين . وقال الزّجاج أيضاً : رضوان الله الجهاد ، والسخط الفرار . وقيل : رضا الله طاعته ، وسخطه عقابه . وقيل : سخطه معصيته قاله ابن إسحاق . ويعسر ما يزعم الزمخشري من تقدير معطوف بين همزة الاستفهام وبين حرف العطف في مثل هذا التركيب ، وتقديره متكلف جداً فيه ، رجح إذ ذاك مذهب الجمهور : من أن الفاء محلها قبل الهمزة ، لكْن قدّمت الهمزة لأنْ الاستفهام له صدر الكلام . وتقدّم اختلاف القراء في رضوان في أوائل هذه السورة ، والظاهر استئناف . .
{ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ } : أخبر أنَّ مَن باء بسخط من الله فمكانه الذي يأوي إليه هو جهنم ، وأفهم هذا أن مقابله وهو من اتبع رضوان الله مأواه الجنة . ويحتمل أن تكون في صلة مَن فوصلها بقوله : باء . وبهذه الجملة كان المعنى : كمن باء بسخط الله ، وآل إلى النار . وبئس المصير : أي جهنم . .
{ هُمْ دَرَجَاتٌ } قال ابن عباس والحسن : لكل درجات من الجنة والنار . وقال أبو عبيدة : كقوله : هم طبقات . وقال مجاهد وقتادة : أي ذوو درجات ، فإن بعض