@ 106 @ وإما أنْ لا يحتاج إلى تقدير هذا المحذوف ، بل يكون المعنى : إذا جاوزته إلى غيره وقد خذلك فمن ذا الذي تجاوزه إليه فينصرك ؟ ويحتمل أن يكون الضمير عائداً على المصدر المفهوم من قوله : وإن يخذلكم ، أي : من بعد الخذلان . وجاء جواب : إن ينصركم الله بصريح النفي العام ، وجواب وإن يخذلكم يتضمن النفي وهو الاستفهام ، وهو من تنويع الكلام في الفصاحة والتلطف بالمؤمنين حتى لا يصرّح لهم بأنه لا ناصر لهم ، بل أبرز ذلك في صورة الاستفهام الذي يقتضي السؤال عن الناصر ، وإن كان المعنى على نفي الناصر . لكنْ فرَّقَ بين الصريح والمتضمن ، فلم يجر المؤمنين في ذلك مجرى الكفار الذي نص عليه بالصريح أنه لا ناصر لهم كقوله : { أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } وظاهره النصرة أنها في لقاء العدو ، والإعانة على مكافحته ، والاستيلاء عليه . وأكثر المفسرين جعلوا النصرة بالحجة القاهرة ، وبالعاقبة في الآخرة . فقالوا : المعنى إنْ حصلت لكم النصرة فلا تعدوا ما يعرض من العوارض الدنيوية في بعض الأحوال غلبة ، وإن خذلكم في ذلك فلا تعدوا ما يحصل لكم من القهر في الدنيا نصرة ، فالنصرة والخذلان معتبران بالمآل . وفي قوله : إن ينصركم الله إشارة إلى الترغيب في طاعة الله ، لأنه بين فيما تقدم أنّ من اتقى الله نصره . .
وقال الزمخشري في قوله : وعلى الله ، وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه ، علمهم أنّه لا ناصر سواه ، ولأن إيمانكم يوجب ذلك ويقتضيه انتهى كلامه . وأخذ الاختصاص من تقديم الجار والمجرور وذلك على طريقته ، بأن تقديم المفعول يوجب الحصر والاختصاص . وقرأ الجمهور : يخذلكم من خذل . وقرأ عبيد بن عمير : يخذلكم من أخذل رباعياً . والهمزة فيه للجعل أي : يجعلكم { وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ } قال ابن عباس ، وعكرمة ، وابن جبير : فقدت قطيفة حمراء من المغانم يوم بدر فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ) : لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أخذها ، فنزلت ، وقائل ذلك مؤمن لم يظن في ذلك حرجاً . وقيل : منافق ، وروي أن المفقود سيف . وقال النقاش : قالت الرماة يوم أحد : الغنيمة الغنيمة ، أيها الناس إنّا نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم ) من أخذ شيئاً فهو له ، فلما ذكروا ذلك قال : ( خشيتم أن نغل ) فنزلت . وروي نحوه عن الكلبي ومقاتل . وقيل غير هذا من ذلك ما قال ابن إسحاق : إنما نزلت إعلاماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم ) لم يكتم شيئاً مما أمر بتبليغه . .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها من حيث أنها تضمنت حكماً من أحكام الغنائم في الجهاد ، وهي من المعاصي المتوعد عليها بالنار كما جاء في قصة مدعم ، فحذرهم من ذلك . وتقدم لنا الكلام في معنى ما كان لزيد أن يفعل . وقرأ ابن عباس وابن كثير وأبو عمرو وعاصم أن يغلّ من غلّ مبنياً للفاعل ، والمعنى : أنه لا يمكن ذلك منه ، لأن الغلول معصية ، والنبي صلى الله عليه وسلم ) معصوم من المعاصي ، فلا يمكن أن يقع في شيء منها . وهذا النفي إشارة إلى أنه لا ينبغي أن أن يتوهم فيه ذلك ، ولا أن ينسب إليه شيء من ذلك . وقرأ ابن مسعود وباقي السبعة : أن يُغَل بضم الياء وفتح الغين مبنياً للمفعول . فقال الجمهور : هو من غل . والمعنى : ليس لأحد أن يخونه في الغنيمة ، فهي نهي للناس عن الغلول في المغانم ، وخص النبي صلى الله عليه وسلم ) بالذكر وإن كان ذلك حراماً مع غيره ، لأن المعصية بحضرة النبي أشنع لما يحب من تعظيمه وتوقيره ، كالمعصية بالمكان الشريف ، واليوم المعظم . وقيل : هو من أغل رباعياً ، والمعنى : أنه يوجد غالاً كما تقول : أحمد الرجل وجد محموداً . وقال أبو علي الفارسي : هو من أغل أي نسب إلى الغلول . وقيل له : غللت كقولهم : أكفر الرجل ، نسب إلى الكفر . .
{ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ظاهر هذا أنه يأتي بعين ما غل ، ورد ذلك في صحيح