@ 94 @ .
إذا ذكرت عيني الزمان الذي مضى .
بصحراء فلج ظلتا تكفان .
فقال : ظلتا ولم يقل : ظلت تكف . وقرأ الباقون : يغشى بالياء ، حمله على لفظ النعاس . .
{ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الاْمْرِ مِن شَىْء قُلْ إِنَّ } قال مكي : أجمع المفسرون على أن هذه الطائفة هم المنافقون ، وقالوا : غشي النعاس أهل الإيمان والإخلاص ، فكان سبباً لأمنهم وثباتهم . وعرى منه أهل النفاق والشك ، فكان سبباً لجزعهم وانكشافهم عن مراتبهم في مصافهم انتهى . .
ويقال : أهمني الشيء ، أي : كان من همي وقصدي . أي : مما أهم به أو قصد . وأهمني الأمر أقلقني وأدخلني في الهم ، أي الغم . فعلى هذا اختلف المفسرون في قد أهمتهم أنفسهم . فقال قتادة والرّبيع وابن إسحاق وأكثرهم : هو بمعنى الغم ، والمعنى : أن نفوسهم المريضة وظنونهم السيئة قد جلبت إليهم خوف القتل ، وهذا معنى قول الزمخشري : أو قد أوقعتهم أنفسهم وما حل بهم في الغموم والأشجان ، فهم في التشاكي . وقال بعض المفسرين : هو مِن هَمَّ بالشيء أراد فعله . والمعنى : أهمتهم أنفسهم المكاشفة ونبذ الدين . وهذا القول من قال : قد قتل محمد فنلرجع إلى ديننا الأول ، ونحو هذا من الأقوال . وقال الزمخشري في قوله : قد أهمتهم أنفسهم ، ما بهم إلا همّ أنفسهم ، لا هم الدّين ، ولا هم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) والمسلمين انتهى . فيكون من قولهم : أهمني الشيء أي : كان من همي وإرادتي . والمعنى : أهمهم خلاص أنفسهم خاصة ، أي : كان من همهم وإرادتهم خلاص أنفسهم فقط ، ومن غير الحق يظنون أن الإسلام ليس بحق ، وأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يذهب ويزول . .
ومعنى ظن الجاهلية عند الجمهور : المدة الجاهلية القديمة قبل الإسلام ، كما قال : { حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ } وكما تقول : شعر الجاهلية . وقال ابن عباس : سمعت أبي في الجاهلية يقول : اسقنا كأساً دهاقاً . وقال بعض المفسرين : المعنى ظن الفرقة الجاهلية ، والإشارة إلى أبي سفيان ومن معه ، ونحا إلى هذا القول : قتادة والطبري . قال مقاتل : ظنوا أن أمره مضمحل . وقال الزجاج : إن مدّته قد انقضت . وقال الضحاك عن ابن عباس : ظنوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم ) قد قتل . وقيل : ظن الجاهلية إبطال النبوّات والشرائع . وقيل : يأسهم من نصر الله وشكهم في سابق وعده بالنصرة . وقيل : يظنون أن الحق ما عليه الكفار ، فلذلك نصروا . وقيل : كذبوا بالقدر . قال الزمخشري : وظن الجاهلية كقولك : خاتم الجود ورجل صدق ، تريد الظن المختص بالملة الجاهلية . ويجوز أنْ يراد ظن أهل الجاهلية ، أي لا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون بالله . انتهى وظاهر قوله : هل لنا من الأمر من شيء الاستفهام ؟ فقيل : سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، هل لهم معاشر المسلمين من النصر والظهور على العدوّ شي أي نصيب ؟ وأجيبوا بقوله : { قُلْ إِنَّ الاْمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } وهو النصر والغلبة . كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ، وأن جندنا لهم الغالبون . وقيل : المعنى ليس النصر لنا ، بل هو للمشركين . وقال قتادة وابن جريج : قيل لعبد الله بن أبيّ بن سلول : قتل بنو الخزرج ، فقال : وهل لنا من الأمر من شيء ؟ يريد : أن الرأي ليس لنا ، ولو كان لنا منه شيء لسمع من رأينا ولم نخرج ولم يقتل أحد منا . وهذا منهم قول بأجلين . وذكر المهدوي وابن فورك : أن المعنى لسنا على حق في اتباع محمد . ويضعف هذا التأويل الرد عليهم بقوله : قل . فأفهم أن كلامهم إنما هو في معنى سوء الرأي في الخروج ، وأنه لو لم يخرج لم يقتل أحد . .
وعلى هذا المعنى وما قبله من قول قتادة وابن جريج يكون الاستفهام معناه النفي . ولما أكد في كلامهم بزيادة من في قوله : من شيء ، جاء الكلام مؤكداً بأنَّ ، وبولغ في توكيد العموم بقوله : كله لله . فكان الجواب أبلغ . .
والخطاب بقوله : قل ، متوجه إلى الرسول بلا خلاف .