@ 67 @ المكذبين قبلهم ، والاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم . وهدى وموعظة للمتقين يعني : أنه مع كونه بياناً وتنبيهاً للمكذبين فهو زيادة وتثبيت وموعظة للذين اتقوا من المؤمنين . ويجوز أنْ يكون قد خلت جملة معترضة للبعث على الإيمان ، وما يستحق به ما ذكر من أجر العاملين . ويكون قوله : هذا بيان إشارة إلى ما لخص وبين من أمر المتقين والتائبين والمصرين انتهى كلامه . وهو حسن . ولما كان ظاهراً واضحاً قال : بيان للناس . ولما كانت الموعظة والهدى لا يكونان إلاّ لمَنْ اتقى خص بذلك المتقين ، لأن من عمى فكره وقسا فؤاده لا يهتدي ولا يتعظ ، فلا يناسب أن يضاف إليه العدى والموعظة . .
{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . لمّا انهزَم مَن انهزم من المؤمنين أقبل خالدٌ يريد أنْ يعلوَ الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( لا يعلن علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك ) فنزلت قاله : ابن عباس . وزاد الواقدي : أنّ رماة المسلمين صعدوا الجبل ورموا بحبل المشركين حتى هزموهم ، فذلك قوله : وأنتم الأعلون . وقال القرطبي : وأنتم الغالبون بعد أحد ، فلم يخرجوا بعد ذلك إلا ظفروا في كل عسكر كان في عهده عليه السلام ، وفي كل عسكر كان بعدُ ولو لم يكن فيه إلاّ واحدٌ من الصحابة . وقال الكلبي : نزلت بعد أحد حين أمروا بطلب القوم مع ما أصابهم من الجراح . وقال : لا يخرج إلاّ من شهد معنا أمس ، فاشتدّ ذلك على المسلمين فنزلت . نهاهم عن أن يضعفوا عن جهاد أعدائهم ، وعن الحزن على من استشهد من إخوانهم ، فإنّهم صاروا إلى كرامة الله قاله : ابن عباس . أو لأجل هزيمتهم وقتلهم يوم أحد قاله : مقاتل . أو لما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم ) من شجّه وكسر رباعيته ذكره : الماوردي . أو لما فات من الغنيمة ذكره : أحمد النيسابوري . أو لمجموع ذلك . وآنسهم بقوله : وأنتم الأعلون ، أي الغالبون وأصحاب العاقبة . وهو إخبار بعلو كلمة الإسلام قاله : الجمهور ، وهو الظاهر . .
وقيل : { أَنتُمْ * الاْعْلَوْنَ } ، أي قد أصبتم ببدر ضعف ما أصابوا منكم بأحد أسراً وقتلاً فيكونُ وأنتم الأعلون نصباً على الحال ، أي لاتحزنوا عالين أي منصورين على عدوكم انتهى . وأما كونُه من علوهم الجبل كما أشير إليه في سبب النزول فروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير . قال ابن عطية : ومن كرم الخلق أن لا يهن الإنسان في حربه وخصامه ، ولا يلين إذا كان محقاً ، وأن يتقضى جميع قدرته ، ولا يضرع ولو مات . وإنما يحسن اللين في السلم والرضا ، ومنه قوله عليه السلام : ( المؤمن هين لين والمؤمنون هينون لينون ) وقال منذر بن سعيد : يجب بهذه الآية ألا يوادع العدو ما كانت للمسلمين قوة وشوكة ، فإن كانوا في قطر مّا على غير ذلك فينظر الإمام لهم في لا صلح انتهى . .
وفي قوله : وأنتم الأعلون دلالة على فضيلة هذه الأمة ، إذ خاطبهم مثل ما خاطب موسى كليمه صلى الله عليه وسلم ) على نبينا وعليه ، إذ قال له : لا تخف إنك أنت الأعلى . وتعلق قوله : إن كنتم مؤمنين بالنهي ، فيكون ذلك هزاً للنفوس يوجب قوة القلب والثقة بصنع الله ، وقلة المبالاة بالأعداء . أو بالجملة الخبرية : أي إنْ صدقتم بما وعدكم وبشركم به من الغلبة . ويكون شرطاً على بابه يحصل به الطعن على من ظهر نفاقه في ذلك اليوم ، أي : لا تكون الغلبة والعلو إلا للمؤمنين ، فاستمسكوا بالإيمان . .
{ ءانٍ * يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ } المعنى : إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر ، ثم لم يضعفوا إنْ قاتلوكم بعد ذلك ، فلا تضعفوا أنتم . أو فقد مس القوم في غزوة أحد قبل مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ونحوه ، فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون . وهذه تسلية منه تعالى للمؤمنين والتأسي فيه أعظم مسلاة . وقالت الخنساء : % ( ولولا كثرة الباكين حولي % .
على إخوانهم لقتلت نفسي .
) %