@ 65 @ نعلم أن مذهبه الاعتزال لتأولنا كلامه بأن هذا الوجوب هو بالوعد الصادق ، فهو من جهة السمع لا من جهة العقل فقط . .
{ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي ولم يقيموا على قبيح فعلهم . وهذه الجملة معطوفة على فاستغفروا ، فهي من بعض أجزاء الجزاء المترتب على الشرط . ويجوز أن تكون الواو للحال ويكون حالاً من الفاعل في فاستغفروا فهي من بعض أجزاء الجزاء ، أي : فاستغفروا لذنوبهم غير مصرّين . وما موصولة اسمية ، ويجوز أن تكون مصدرية . .
قال قتادة : الإصرار المضي في الذنب قدماً . وقال الحسن : هو إتيان الذنب حتى يتوب . وقال مجاهد : لم يصرّوا لم يمضوا . وقال السدي : هو ترك الاستغفار والسكوت عنه مع الذنب . والجملة من قوله : وهم يعلمون قال الزمخشري : حال من فعل الإصرار ، وحرف النفي منصب عليهما معاً ، والمعنى : وليسوا ممن يصرّ على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهي عنها والوعيد عليها ، لأنه قد يعذر من لم يعلم قبح القبيح . .
وفي هذه الآيات بيان قاطع أن الذين آمنوا على ثلاث طبقات : متقون ، وتائبون ، ومصرّون . وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم دون المصرين ، ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه انتهى كلامه . وآخره على طريقته الاعتزالية من : أن من مات مصرًّا دخل النار ولا يخرج منها أبداً . وأجاز أبو البقاء أن يكون : وهم يعلمون حالاً من الضمير في فاستغفروا ، فإنْ أعربنا ولم يصرّوا جملة حالية من الضمير في فاستغفروا ، جاز أن يكون : وهم يعلمون حالاً منه أيضاً . وإن كان ولم يصروا معطوفاً على فاستغفروا كان ما قاله أبو البقاء بعيداً للفصل بين ذي الحال والحال بالجملة . وأما متعلق العلم فتقدم في كلام الزمخشري . .
وقال أبو البقاء : وهم يعلمون المؤاخذة بها ، أو عفو الله عنها . وقال ابن عباس والحسن : وهم يعلمون أن تركه أولى من التمادي . وقال مجاهد وأبو عمارة : يعلمون أن الله يتوب على من تاب . وقال السدي ومقاتل : يعلمون أنهم قد أذنبوا . وقيل : يذكرون ذنوبهم فيتوبون منها ، أطلق اسم العلم على الذكر لأنه من ثمرته . وقال ابن إسحاق : يعلمون ما حرمت عليهم . وقال الحسين بن الفضل : يعلمون أنّ لهم رباً يغفر الذنب . وقال ابن بحر : يعلمون بالذنب . وقيل : يعلمون العفو عن الذنوب وإن كثرت . .
{ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } أولئك إشارة إلى الصنفين . وجوّز أن يكون مختصاً بالصنف الثاني ، ويكون : والذين إذا فعلوا مبتدأ ، وأولئك وما بعده خبره ، وجزاؤهم مغفرة مبتدأ وخبر في موضع خبر أولئك . وثم محذوف أي : جزاء أعمالهم مغفرة من ربهم لذنوبهم . .
وقال ابن عطية : أوجب على نفسه بهذا الخبر الصادق قبول توبة التائب ، وليس يجب عليه تعالى من جهة العقل شيء ، بل هو بحكم الملك لا معقب لأمره . وقال الزمخشري : قال أجر العاملين بعد قوله جزاؤهم ، لأنهما في معنى واحد ، وإنما خالف بين اللفظين لزيادة