@ 55 @ أنه مصدر متحد الفاعل والزمان . ولتطمئن معطوف على موضع بشرى ، إذ أصله لبشرى . ولما اختلف الفاعل في ولتطمئن ، أتى باللام إذ فات شرط اتحاد الفاعل ، لأن فاعل بشرى هو الله ، وفاعل تطمئن هو قلوبكم . وتطمئن منصوب بإضمار أن بعد لام كي ، فهو من عطف الإسم على توهم . موضع اسم آخر ، وجعل على هذا التقدير متعدية إلى واحد . .
وقال الحوفي : إلا بشرى في موضع نصب على البدل من الهاء ، وهي عائدة على الوعد بالمدد . وقيل : بشرى مفعول ثان لجعله الله . فعلي هذين القولين تتعلق اللام في لتطمئن بمحذوف ، إذ ليس قبله عطف يعطف عليها . قالوا : تقديره ولتطمئن قلوبكم به بشركم . وبشرى : فعلى مصدر كرجعى ، وهو مصدر من بشر الثلاثي المجرد ، والهاء في به تعود على ما عادت عليه في جعله على الخلاف المتقدم . .
وقال ابن عطية : اللام في ولتطمئن متعلقة بفعل مضمر يدل عليه جعله . ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به ، وتطمئن به قلوبكم انتهى . وكأنه رأى أنه لا يمكن عنده أن يعطف ولتطمئن على بشرى على الموضع ، لأن من شرط العطف على الموضع عند أصحابنا أن يكون ثم محزر للموضع ، ولا محرز هنا ، لأن عامل الجر مفقود . ومن لم يشترط المحرز فيجوز ذلك على مذهبه ، وإن لا فيكون من باب العطف على التوهم كما ذكرناه أولاً . .
وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي : قال بعضهم : الواو زائدة في ولتطمئن . وقال أيضاً في ذكر الإمداد : مطلوبان ، أحدهما : إدخال السرور في قلوبهم ، وهو المراد بقوله : ألا بشرى . والثاني : حصول الطمأنينة بالنصر ، فلا تجبنوا ، وهذا هو المقصود الأصلي . ففرق بين هاتين العبارتين تنبيهاً على حصول التفاوت بين الأمرين ، فعطف الفعل على الإسم . ولما كان الأقوى حصول الطمأنينة أدخل حرف التعليل انتهى . وفيه بعض ترتيب وتناقش في قوله : فعطف الفعل على الاسم ، إذ ليس من عطف الفعل على الاسم . وفي قوله : أدخل حرف التعليل ، وليس ذلك لما ذكر . .
.
{ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } حصر كينونة النصر في جهته ، لا أنَّ ذلك يكون من تكثير المقاتلة ، ولا من إمداد الملائكة . وذكر الإمداد بالملائكة تقوية لرجاء النصر لهم ، وتثبيتاً لقلوبهم . وذكر وصف العزة وهو الوصف الدال على الغلبة ، ووصف الحكمة وهو الوصف الدال على وضع الأشياء مواضعها من : نصرٍ وخذلان وغير ذلك . .
{ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ } الطرف : من قتل ببدر هم سبعون من رؤساء قريش ، أو من قتل بأحد وهم إثنان وعشرون رجلاً على الصحيح . وقال السدي : ثمانية عشر ، أو مجموع المقتولين في الوقعتين ثلاثة أقوال . وكنى عن الجماعة بقوله : طرفاً ، لأن من قتله المسلمون في حرب هم طرف من الكفار ، إذ هم الذين يلون القاتلين ، فهم حاشية منهم . فكان جميع الكفار رفقة ، وهؤلاء المقتولون طرفاً منها . قيل : ويحتمل أن يراد بقوله : طرفاً دابراً أي آخراً ، وهو راجع لمعنى الطرف ، لأن آخر الشيء طرف منه { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } : أي ليخزيهم ويغيظهم ، فيرجعوا غير ظافرين بشيء مما أملوه . ومتى وقع النصر على الكفار ، فإما بقتل ، وإما بخيبة ، وإما بهما . وهو كقوله : { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } . وقرأ الجمهور أو تكبتهم بالتاء . وقرأ لاحق بن حميد : أو يكبدهم بالدال مكان التاء ، والمعنى : يصيب الحزن كبدهم . وللمفسرين في يكبتهم أقوال : يهزمهم قاله : ابن عباس والزجاج ، أو يخزيهم قاله : قتادة ومقاتل ، أو يصرعهم قاله . أبو عبيدة واليزيدي ، أو يهلكهم قاله : أبو عبيدة . أو يلعنهم قاله : السدي . أو يظفر عليهم قاله : المبرد . أو يغيظهم قاله : النضر بن شميل ، واختاره ابن قتيبة . وأما قراءة لاحق فهي من إبدال الدال بالتاء كما قالوا . هوت الثوب وهرده إذا حرفه ، وسبت رأسه وسبده إذا حلقه ، فكذلك كبت العدو وكبده أي أصاب كبده . .
واللام في ليقطع يتعلق قيل : بمحذوف تقيديره أمدكم أو نصركم . وقال الحوفي : يتعلق