@ 9 @ ومنع الاصطياد فيه . والذي تعرضت له الآية هو مقام إبراهيم ، لأنه آية باقية على مر الأعصار . وذلك أنّه لمّا قام إبراهيم على حجر المقام وقت رفعه القواعد من البيت طال له البناء ، فكلما علا الجدار ارتفع الحجر به في الهواء ، فما زال يبني وهو قائم عليه وإسماعيل يناوله الحجارة والطين حتى كمل الجدار . ثم أراد الله إبقاء ذلك آية للعالمين ليّن الحجر فغرقت فيه قدما إبراهيم كأنها في طين ، فذلك الاثر باق إلى اليوم . وقد نقلت كافة العرب ذلك في الجاهلية على مرور الاعصار . وقال في ذلك أبو طالب : % ( وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة % .
على قدميه حافياً غير ناعل .
) % .
فما حفظ أن أحداً من الناس نازع في هذا القول . وقيل : سبب أثر قدميه في هذا الحجر أنه وافى مكة زائراً من الشام فقالت له زوجة إسماعيل : انزل . حتى اغسلَ رأسك ، فأبى أن ينزل ، فجاءت بهذا الحجر من جهة شقه الأيمن ، فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه ، ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر ، فبقي أثر قدميه فيه . وارتفاعُ آيات على الفاعلية بالمجرور قبله ، فيكون المجرور في موضع الحال ، والعامل فيها محذوف ، وذلك المحذوف هو الحال حقيقة . ونسبة الحالية إلى الظرف والمجرور مجاز ، كنسبة الخبر إليها . إذا قلت : زيد في الدار ، أو عندك . ولذلك قال بعض أصحابنا : وما يعزى للظرف من خبرية وعمل ، فالأصح كونه لعامله . وكون فيه في موضع حال مقدّرة ، سواء كان العامل فيها هو العامل في ببكة ، أم كان العامل فيها هو وضع على ما أعربوه ، أو على ما أعربناه . ويجوز أو يكون جملة مستأنفة . أخبر الله تعالى أن فيه آيات بينات . .
{ مَّقَامِ إِبْراهِيمَ } مقام : مفعل من القيام . وقرأ الجمهور : آيات بينات على الجمع . وقرأ أبيّ وعمرو بن عباس ومجاهد وأبو جعفر في رواية قتيبة ( آية بينة ) على التوحيد . فعلى قراءة الجمهور أعربوا مقام ابراهيم بدلاً ، وهو بدل كل من كل ، من قوله : آيات ، وأعربوه خبر مبتدأ محذوف . أي هنّ مقام إبراهيم . وعلى ما أعربوه فكيف يبدل المفرد من الجمع ، أو يخبر به عن الجمع ؟ وأجيب بوجهين : أحدهما : أن يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله ونبوّة ابراهيم عليه السلام من تأثير قدمه في حجر صلد كقوله تعالى : { إِنَّ إِبْراهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا } . والثاني : اشتماله على آيات ، لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية ، وغوصه فيها إلى الكعبين آية ، وإلانة بعض الصخرة دون بعض آية ، وإبقاؤه دون سائر آيات الأنبياء آية لابراهيم خاصة ، وحفظه مع كثرة أعدائه من المشركين وأهل الكتاب والملاحدة ألوف سنين آية . قال الزمخشري : ويجوز أن يراد فيه ( آيات بينات مقام ابراهيم ) وأمن من دخله ، لأن الآيتين نوع من الجمع كالثلاثة والأربعة . وقال ابن عطية : والمترجح عندي أنّ المقام وأمن الداخل جعلا مثالاً مما في حرم الله من الآيات ، وخصّا بالذكر لعظمهما ، وأنهما تقوم بهما الحجة على الكفار ؛ إذ هم مدركون لهاتين الآيتين بحواسهم . فظاهرُ كلامه وكلام الزمخشري قبله : أن مقام ابراهيم وأمن الداخل تفسير للآيات وهي جمع ، ولكن لم يذكر أمن الداخل في الآية تفسيراً صناعياً ، إنما جاء ( ومن دخله كان آمناً ) جملة من شرط وجزاء ، أو مبتدأ أو خبر ، لا على سبيل أن يكون اسماً مفرداً يعطف على قوله : مقام ابراهيم ، فيكون ذلك تفسيراً صناعياً . بل لم يأت بعد قوله : { بَيّنَاتٍ فَاسْأَلْ } سوى مفرد وهو : مقام ابراهيم فقال . فإن قلت : كيف أجزت أنْ يكون مقام إبراهيم والا من عطف بيان وقوله : ومن دخله كان آمناً جملة مستأنفة : إما ابتدائية ، وإما اشترطية ؟ قلت : أجزت ذلك من حيث المعنى . ولأن قوله : ( ومن دخله كان آمناً ) دل على