284 - { لله ما في السموات وما في الأرض } ملكا [ وأهلها له عبيد وهو مالكهم ] { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } اختلف العلماء في هذه الآية فقال قوم : هي خاصة ثم اختلفوا في وجه [ خصوصها ] فقال بعضهم : هي متصلة بالآية الأولى نزلت في كتمان الشهادة أو تخفوا الكتمان يحاسبكم به الله وهو قول الشعبي و عكرمة وقال بعضهم : نزلت فيمن يتولى الكافرين دون المؤمنين يعني وإن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفار أو تسروا يحاسبكم به الله وهو قول مقاتل كما ذكر في سورة آل عمران { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } إلى أن قال { قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله } ( 29 - آل عمران ) .
وذهب الأكثرون إلى أن الآية عامة ثم اختلفوا فيها فقال قوم : هي منسوخة بالآية التي بعدها .
والدليل عليه ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن المنهال الضرير وأمية بن بسطام العيشي واللفظ له قالا : أخبرنا يزيد بن زريع أنا روح وهو ابن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة Bه قال : [ لما أنزل الله على رسوله الله A { لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } الآية قال : اشتد ذلك على أصحاب رسول الله A فأتوا رسول الله A ثم بركوا على الركب فقالوا : أي رسول الله A كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله A ك أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا بل قولوا { سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } فلما قرأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال نعم { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } قال نعم { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال نعم { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } قال نعم ] .
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس Bهما بمعناه وقال في كل ذلك : قد فعلت بدل قوله نعم وهذا قول ابن مسعود وابن عباس وابن عمر Bهم وإليه ذهب محمد بن سيرين و محمد بن كعب و قتادة و الكلبي .
اخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو محمد عبد ا لله بن يوسف الأصفهاني أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا يعقوب بن يوسف القزويني أخبرنا القاسم بن الحكم العرني أخبرنا مسعر بن كدام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة Bه عن النبسي A قال : [ إن الله D تجاوز عن أمتي ما وسوست به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ] .
وقال بعضهم الآية غير منسوخة لأن النسخ لا يرد على الأخبار إنما يرد على الأمر والنهي وقوله { يحاسبكم به الله } خبر لايرد عليه النسخ ثم اختلفوا في تأويلها فقال قوم : قد أثبت الله تعالى للقلب كسبا فقال { بما كسبت قلوبكم } ( 225 - البقرة ) فليس لله عبد أسر عملا أو أعلنه من حركة من جوارحه أو همسة في قلبع إلا يخبره الله به ويحاسبه عليه ثم يغفر ما يشاء ويعذب بما يشاء وهذا معنى قول الحسن يدل عليه قوله تعالى { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } ( 36 - الإسراء ) وقال الآخرون : معنى الآية أن الله D يحاسب خلقه بجميع ما أبدوا من أعمالهم أو أخفوه ويعقبهم عليه غير أن معاقبته على ما أخفوه ويعاقبهم عليه غير أن معاقبته على ما أخفوه مما لم يعلموه بما يحدث لهم في الدنيا من النوائب والمصائب والأأمور التي يحزنون عليها وهذا قول عائشة Bها قالت : سألت رسول الله A عن هذه الآية فقال : [ يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة حتى الشوكة والبضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيروع لها حتى يخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير ] .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن سنان عن أنس بن مالك Bه عن رسول الله A أنه قال : [ إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر بعبده أمسك عليه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامه ] .
وقال بعضهم { وإن تبدوا ما في أنفسكم } يعني ما في قلوبكم مما عزمتم عليه { أو تخفوه يحاسبكم به الله } ولا تبدوه وأنتم عازمون عليه يحاسبكم به الله فأما ما حدثت به أنفسكم مما لم تعزموا عليه فإن ذلك مما لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا يؤاخذكم به دليله قوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } ( 225 - البقرة ) .
وقال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان : أيؤاخذ العبد بالهمة قال : إذا كان عزما أخذ بها وقيل معنى المحاسبة الإخبار والتعريف ومعنى الآية : وإن تبدوا ما في أنفسكم فتعملوا به أو تخفوه مما أضمرتم ونويتم يحاسبكم به الله ويجزيكم به ويعرفكم إياه ثم يغفر للمؤمنين إظهارا لفضله ويعذب الكافرين إظهارا لعدله وهذا معنى قول الضحاك ويروى ذلك عن ابن عباس Bهما يدل عليه أنه قال : يحاسبكم به الله ولم يقل يؤاخذكم به والمحاسبة غير المؤاخذة والدليل عليه ما أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الزراد أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب أنا عيسى بن أحمد العسقلاني أنا يزيد بن هارون أنا همام بن يحيى عن قتادة عن صفوان بن محرز قال : كنت آخذا بيد عبد الله بن عمر بن الخطاب Bهما فأتاه رجل فقال : كيف سمعت رسول الله A يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت رسول الله A يقول : [ إن الله تعالى يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه يستره من الناس فيقول : أي عبدي أتعرف ذنب كذا وكذا ؟ فيقول : نعم أي رب ثم يقول أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا ؟ فيقول : نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني سترتها عليك في الدنيا وقد غفرتها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ] ( 18 - هود ) .
قوله تعالى : { فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } رفع الراء والياء أبو جعفر وابن عامر وعاصم ويعقوب وجزمهما الآخرون فالرفع على الابتداء والجزم على النسق وروى طاووس عن ابن عباس Bهما فيغفر لمن يشاء الذنب العظيم ويعذب من يشاء على الذنب الصغير { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } { والله على كل شيء قدير } ( 230 - الأنبياء )