40 - قوله تعالى : { إلا تنصروه فقد نصره الله } هذا إعلام من الله D أنه المتكفل بنصر رسوله وإعزاز دينه أعانوه أو لم يعينوه وأنه قد نصره عند قلة الأولياء وكثرة الأعداء فكيف به اليوم وهو في كثرة من العدد والعدد { إذ أخرجه الذين كفروا } من مكة حين مكروا به وأرادوا تبييته وهموا بقتله { ثاني اثنين } أي هو أحد الاثنين والاثنان : أحدهما رسول الله A والآخر أبو بكر الصديق Bه { إذ هما في الغار } وهو نقب في جبل ثور بمكة { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } قال الشعبي : عاتب الله D أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير أبي بكر الصديق Bه .
أخبرنا أبو المظفر محمد بن أحمد التميمي أنبأنا محمد بن عبد الرحمن بن عثمان أنبأنا خيثمة بن سليمان حدثنا أحمد بن عبد الله الدورقي حدثنا سعيد بن سليمان عن علي بن هاشم عن كثير النواء عن جميع بن عمير قال : أتيت ابن عمر Bهما فسمعته يقول : قال رسول الله A لأبي بكر Bه : [ أنت صاحبي في الغار وصاحبي على الحوض ] .
قال الحسين بن الفضل : من قال إن أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله A فهو كافر لإنكاره نص القرآن وفي سائر الصحابة إذا أنكر يكون مبتدعا لا يكون كافرا .
وقوله D : { لا تحزن إن الله معنا } لم يكن حزن أبي بكر جبنا منه وإنما كان إشفاقا على رسول الله A وقال : إن أقتل فأنا رجل واحد وإن قتلت هلكت الأمة / .
وروي أنه حين انطلق مع رسول الله A إلى الغار جعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه فقال له رسول الله A : مالك يا أبا بكر ؟ قال : أذكر الطلب فأمشي خلفك ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك فلام انتهيا إلى الغار قال مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الغار فدخل فاستبرأه ثم قال : انزل يا رسول الله فنزل فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر .
أخبرنا أبو المظفر التميمي أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن عثمان المعروف بابن أبي النظر أخبرنا خيثمة بن سليمان حدثنا أبو قلابة الرقاشي حدثنا حيان بن هلال حدثنا همام بن يحي حدثنا ثابت البناني حدثنا أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق Bه حدثهم قال : نظرت إلى أقدام المشركين فوق رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب : فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي A قالت : [ لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله A طرفي النهار بكرة وعشيا فلما ابتلي المسلمون قال النبي A للمسلمين : إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهز أبو بكر Bه قبل المدينة فقال له رسول الله A : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله A ليصحبه وعلف راحلتين - كانتا عنده - ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر ] .
قال ابن شهاب قال عروة : قالت عائشة Bها : [ فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله A متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت : فجاء رسول الله A فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي A لأبي بكر : أخرج من عندك فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال : فإني قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر : الصحبة بأبي أنت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله A : نعم قال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله : بالثمن قالت عائشة Bها : فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت : ثم لحق رسول الله A وأبو بكر بغار في جبل ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهماعبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيها فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بهماعامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله A وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت : الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم على طريق السواحل ] .
قال ابن شهاب : وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم : أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول : جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله A وأبي بكر Bه دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال : يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة : فعرفت أنهم هم فقلت له : إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت البيت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فدفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا ؟ فخرج الذى أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله A وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات فساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت .
من الحبس عنهم أن سيظهر أمر النبي A فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم خبر ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني شيئا إلا أن قالا : أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله A .
قال ابن شهاب : فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله A لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله A وأبا بكر ثياب بياض وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله A من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله A وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلام فتلقوا رسول الله A بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله A صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله A يحي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله A فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله A عند ذلك فلبث رسول الله A في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله A ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول A بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله A حين بركت راحلته : هذا إن شاء الله المنزل ثم دعا رسول الله A الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله ثم بناه مسجدا وطفق رسول الله ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول وهو ينقل اللبن : .
( هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر ) .
ويقول : .
( اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة ) .
فتمثل ببيت رجل من المسلمين لم يسم لي .
قال ابن شهاب : ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله A تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات .
قال الزهري : لما دخل رسول الله A وأبو بكر الغار أرسل الله تعالى زوجا من حمام حتى باضا في أسفل النقب والعنكبوت حتى نسجت بيتا وفي القصة أنبت يمامة على فم الغار وقال النبي A : اللهم أعم أبصارهم / عنا فجعل الطلب يضربون يمينا وشمالا حول الغار يقولون : لو دخلا هذا الغار لتكسر بيض الحمام وتفسخ بيت العنكبوت .
قوله D : { فأنزل الله سكينته عليه } قيل : على النبي A وقال ابن عباس : على أبي بكر Bه فإن النبي A كانت عليه السكينة من قبل { وأيده بجنود لم تروها } وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته وقيل : ألقوا الرعب في قلوب الكفار حتى رجعوا وقال مجاهد و الكلبي : أعانه بالملائكة يوم بدر أخبر أنه صرف عنه كيد الأعداء في الغار ثم أظهر نصره بالملائكة يوم بدر .
{ وجعل كلمة الذين كفروا السفلى } وكلمتهم الشرك وهي السفلى إلى يوم القيامة { وكلمة الله هي العليا } إلى يوم القيامة قال ابن عباس : هي قول لا إله إلا الله وقيل كلمة الذين كفروا : ما قدروا بينهم في الكيد به ليقتلوه وكلمة الله : وعد الله أنه ناصره وقرأ يعقوب : { وكلمة الله } بنصب التاء على العطف { والله عزيز حكيم }