الثاني : وهو ما ينجلب بالعلم من المنافع الدنيوية .
وهو : وجداني وذوقي وجاهي رتبي .
والوجداني : إما راحة أو استيلاء والراحة : إما من مشقة وجود ظاهر للنفس أو من فقد سار لها بالأنس وكل منها : إما خارجي وإما ذاتي .
فالراحة : أربعة أقسام .
وقوله - E - : ( وهو الأنيس في الوحشة . . ) إشارة إلى الأول لأنه يريح بأنسه من كل قلق واضطراب .
وقوله - E - : ( والصاحب في الغربة . . ) إشارة إلى الثاني لأنه يقر من الغريب عينه ويريحه من كمود النفس من الحزن وانكسارها لفقد سرور الأهل والوطن .
وقوله - E - : ( والمحدث في الخلوة . . . ) إشارة إلى الثالث لأن العلم يريح المنفرد عن الناس بتحديثه من انقباض الفهم وخموده وهو ألم ذاتي لأهل الكمال وهذا هو السر في استلذاذ المسامرة والمنادمة .
وقوله - E - : ( والدليل على السراء والضراء . . . ) أي : في الماضي والآتي إشارة إلى الرابع الذي هو فقد سار ذاتي أي : أن العلوم تقوم مقام ذي الرأي السديد إذا استثير إذ هو دال لصاحبه على السراء وأسبابها وعلى الضراء وموجباتها فالحيرة وجهل عواقب الأمور : مؤلم للنفس ومضيق للصدر لفقد نور البصيرة فالعلم يريح من تلك الهموم والأحزان .
والاستيلاء : قسمان .
أحدهما : استيلاء يمحق الشر ويدفع الضر وإليه أشار قوله - E - : ( والسلاح على الأعداء . . ) فبالعلم يزهق الباطل وتندفع الشبهة والجهالة .
قيل لبعض المناظرين : فيم لذتك ؟ قال : في حجة تتبختر إيضاحا وشبهة تتضاءل افتضاحا .
وثانيهما : استيلاء يجلب الخير ويذهب الضير وإليه أشار قوله - E - : ( والزين عن الأخلاء . . ) أي : أن العلم جمال وحسن وكمال يجذب القلوب من الأخلاء كما قيل : .
العلم زين وكنز لا نفاذ له ... نعم القرين إذا ما عاقلا صحبا .
القسم الثاني : ما يجلبه العلم من الوجاهة والرتبة .
وهي إما عند الله - سبحانه وتعالى - وإما عند الملأ الأعلى أو عند الملأ الأسفل .
الأول : أشار إليه قوله - E - : ( يرفع الله به أقواما . . ) أي : يعلي مقامهم ورتبتهم فيجعلهم في الخير قادة وأئمة أي : شرفاء الناس وسادتهم .
والقادة : جمع قائد وهو : الذي يجذب إلى الخير مع الإلزام كالقاضي والوالي الذين إلزامهما على الظاهر وكالخطيب والواعظ : الذين إلزامهما على الباطن وكالأئمة : الذين بعلمهم يهتدى وبحالهم يقتدى .
والثاني : أشار إليه قوله - E : ( يرغب الملائكة في خلتهم . . ) أي : لهم من المنزلة والمكانة في قلوبهم ما استولى على غيوب بواطنهم فرغبوا في محبتهم وأنسوا بملازمتهم وما استولى على ظواهرهم فيتبركون بمسحهم .
والثالث : أشار إليه قوله - E - : ( يستغفر لهم كل رطب ويابس . . . ) فشمل الناطق والنافس .
قيل : سبب استغفار هؤلاء رجوع أحكامهم إليهم في : صيدهم وقتلهم وحلهم وحرمتهم