ثم جاء من بعد ذلك الملك والدولة العزيزة وتقرب إليهم العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها ويجيزهم الخلفاء بأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهم ومكانهم من قومهم ويحرصون على استهداء أشعارهم يطلعون منها على : الآثار والأخبار واللغة وشرف اللسان والعرب يطالبون ولدهم بحفظها .
ولم يزل هذا الشأن أيام بني أمية وصدرا من دولة بني العباس .
وانظر ما نقله صاحب ( العقد ) في مسامرة الرشيد للأصمعي في باب : الشعر والشعراء تجد ما كان عليه الرشيد من المعرفة بذلك والرسوخ فيه والعناية بانتحاله والتبصر بجيد الكلام ورديئه وكثرة محفوظه منه ثم جاء خلف من بعدهم لم يكن اللسان لسانهم من أجل : العجمة وتقصيرها باللسان وإنما تعلموه صناعة ثم مدحوا بأشعارهم أمراء العجم الذين ليس اللسان لهم طالبين معروفهم فقط لا سوى ذلك من الأغراض كما فعله حبيب والبحتري والمتنبي وابن هانئ ومن بعدهم . . . إلى هلم جرا .
فصار غرض الشعر في الغالب إنما هو : الكذب والاستجداء لذهاب المنافع التي كانت فيه للأولين - كما ذكرنا آنفا - وأنف منه لذلك أهل الهمم والمراتب من المتأخرين وتغير الحال وأصبح تعاطيه هجنة في الرئاسة ومذمة لأهل المناصب الكبيرة - والله مقلب الليل والنهار - . ( 1 / 310 )