اعلم : أن الشعر كان ديوانا للعرب فيه : علومهم وأخبارهم وحكمهم وكان رؤساء العرب منافسين فيه وكانوا يقفون بسوق عكاظ لإنشاده وعرض كل واحد منهم ديباجته على فحول الشأن وأهل البصر لتمييز حوله حتى انتهوا إلى المناغاة في تعليق أشعارهم بأركان البيت الحرام موضع حجهم وبيت إبراهيم كما فعل امرؤ القيس بن حجر والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد وطرفة ابن العبد وعلقمة بن عبدة والأعشى وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع فإنه إنما كان يتوصل إلى تعليق الشعر بها من كان له قدرة على ذلك بقومه وعصبيته ومكانه في مضر على ما قيل في سبب تسميتها بالمعلقات .
ثم انصرف العرب عن ذلك أول الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبوة والوحي وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه فأخرسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض في النظم والنثر زمانا ثم استقر ذلك وأونس الرشد من الملة ولم ينزل الوحي في تحريم الشعر وحظره وسمعه النبي - A - وأثاب عليه فرجعوا ( 1 / 309 ) حينئذ إلى ديدنهم منه .
وكان لعمر بن أبي ربيعة - كبير قريش لذلك العهد - مقامات فيه عالية وطبقة مرتفعة وكان كثيرا ما يعرض شعره على ابن عباس فيقف لاستماعه معجبا به