ولما انقرض أمر اليونان وصار الأمر للقياصرة وأخذوا بدين النصرانية هجروا تلك العلوم كما تقتضيه الملل والشرائع فيها وبقيت في صحفها ودواوينها مخلدة باقية في خزائنهم ثم ملكوا الشام وكتب هذه العلوم باقية فيهم ثم جاء الله بالإسلام وكان لأهله الظهور الذي لا كفاء له وابتزوا الروم ملكهم فيما ابتزوه للأمم وابتدأ أمرهم بالسذاجة والغفلة من الصنائع حتى إذا تبحبح السلطان والدولة وأخذوا من الحضارة بالحظ الذي لم يكن لغيرهم من الأمم وتفننوا في الصنائع والعلوم تشوقوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية بما سمعوا من الأساقفة والأقسة المعاهدين بعض ذكر منها وبما تسمو إليه أفكار الإنسان فيها فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم : أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة فبعث إليه بكتاب أوقليدس وبعض كتب الطبيعيات فقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها وازدادوا حرصا على الظفر بما بقي منها