وأنت تعلم إن كنت ممن طالع الكتب المشار إليها واطلع عليها أن بعد هذا التجريد مما فيها لم يبق من المقاصد العلمية إلا القليل من تراجم ( 1 / 7 ) الكتب وأهليها .
لكن الذي أهمني أني رأيت أبناء هذا الزمان لا تتوجه طبائعهم إلى إدراك العلوم ومبانيها واقتباس فوائد الفنون ولو بفهم بعض معانيها . فضلا عن أن يحيطوا بجميع المقاصد والغايات ويبلغوا من معرفتها وضبطها إلى النهايات . إلا واحدا من الألوف المؤلفة وفردا من الأحزاب المتحزبة ممن لهم همة شامخة وروية دارية في كسب المعارف والعلوم . أو دولة باذخة وقدرة سارية في جمع المقسوم . فإنه قد يرفع الرأس إلى معرفة العلم بدء وغاية وينحو إلى استعلام أمر الأول والنهاية .
وكل الخلق وجلهم مغمورون في اللذات العاجلة الخاطئة الكاذبة الفانية . ويؤثرونها ولو كان بهم خصاصة على النعم الآجلة الدائمة الباقية . إلا من عصمه الله تعالى . فكأن الناس كلهم قد صاروا أجناسا بلا فصول أو إناثا بلا فحول . مع أن الإنسان إنما تميز عن الحيوان بالنطق والعلم والعرفان . ولو لم يكن العلم في البشر لكان هو وجميع الحيوانات سواسية في كل شان . فإنا لله على ذهاب العلم وأهليه وفشو الجهل وعلو ذويه