هذا هو الكلام على العرف المشهور والذي يقتضيه النظر الصحيح أن يسمى بمقدمة الكتاب ماله دخل في خصوص الكتاب وبمقدمة العلم ماله دخل في العلم مطلقا . ويجتمعان إذا لم يكن مدخل في خصوص الكتاب إلا لما له دخل في العلم . وتحقيقهما باعتبار هذا النظر أن يقال : قد تبين في العلم الأعلى أن العلم التام بالأشياء ذوات الأسباب إنما يحصل بمعرفة عللها التامة وهي مجموع العلة الفاعلية والغائية والمادية والصورية وسائر ما يتوقف عليه حصول الشيء من الشروط والآلات والمعدات القريبة ونحو ذلك فيما يوجد فيه جميعها وبعضها فيما يوجد فيه .
بعضها فنقول : إن المتقدمين لما أفرزوا من نتائج أفكارهم الأحكام المتعلقة لشيء واحد وحدة ما من جهة واحدة علوما متفرزة وشحنوا بها كتبهم وأرادوا بقاءها على مر الأعصار وعلموها تلامذتهم قرنا بعد قرن حتى وصلت إلينا فاستحسنوا تقديم بعض مبادئها عليها ليكون تسهيلا لطالبيها وتبصرة لشارعيها .
وقد علمت وجه الضبط فاعلم أن ههنا أمرين أحدهما : العلم بما هو هو وذلك عبارة عن مسائل مخصوصة ومطالب معينة . وثانيهما : الكتاب وهو عبارة عن ألفاظ مقررة ومعان مرتبة . وربما كان كتاب واحد في علوم متعددة أو كتب متعددة في علم واحد ورب علم لم يدون ( 1 / 201 ) في كتاب أو كتاب لم يشتمل على علم بل على مسائل متفرقة وأحاديث ملهية من نظم أو نثر . وأيضا هما يختلفان في أمور كثيرة : كالمنفعة والمضرة والجودة والرداءة والضعف والقوة وغيرها