وبعد : فهذا بث لما وقر في صدري من أحوال العلوم العالية وتراجم الفنون الفاخرة وأثر بعد عين في تحصيل ما نيطت به سعادة الدنيا والآخرة وردت من بحارها الطامية ماء عذبا فراتا حاليا وكرعت من أنهارها الصافية ما كان عن القذى طاهرا وعن الأكدار خاليا . حررته إحرازا لما تشتت من أحوال العلوم وتراجم أسمائها وسماتها وجمعته إفرازا للفنون مع بيان مباديها وأغراضها وغاياتها . مستمدا في ذلك من كتب الأئمة السادة وصحف الكبراء القادة بعد أن عرفت مجاريها وتعلمت الرمي من القوس وقد كنت باريها . لأني لما وقفت على كتاب ( عنوان العبر وديوان المبتدأ والخبر ) لقاضي القضاة مؤيد الدين أبي زيد عبد الرحمن ابن خلدون الأندلسي وجدت مؤلفه C تعالى قد عقد في الكتاب الأول منه فصلا سادسا في العلوم وأنواعها وسائر طرقها وأنحائها وما يعرض في ( 1 / 5 ) ذلك كله من الأحوال