والحاصل : أن مليكة بهوبال المحمية زمانها هذا زمان السعادة وأوان ترقي العلوم وموسم المسرة والرفعة لكل خادم ومخدوم كيف وهي تاج الهند ورأس الرؤوس ؟ وقد قيل في المثل السائر : لا عطر بعد عروس وهي التي عمرت الديار بعد خرابها وأحيت المدارس العلمية بعد دروسها وتبابها وبنت المساجد العظيمة وقررت الوظائف الفخيمة وحفرت الآبار وغرست الحدائق والأشجار وأحدثت العمائر الكبار وأكرمت الصغائر والصغار وأحيت السنن وأماتت البدع وقلعت أسباب الفجور والفسوق وأخمدت نار الصبوح والغبوق وطهرت الديار عن أدناس الإشراك والمحدثات .
وأسبلت ذيول المنح والعطايا على أهل المكرمات وجمعت من نفائس الكتب - على اختلاف أنواعها وتباين علومها - ما يعظم قدره ويجل وصفه وأعطت الطلبة ألوفا من المصاحف والرسائل الدينية مجانا ولم تحرم من نوالها وجودها إنسانا وأوقفت أرزاقا كثيرة على الفقراء والمحاويج وقررت لهم وظائف جمة من النقود والغلات ولا تزال تعطي العفاة والواردين بمملكتها من الحجاج والغزاة والمسافرين والطلبة والمساكين من الأموال والأقمشة والبيوت ما يعسر حده ويطول عده .
إلى أن سالت سيول فيوضها العامة لكل حاضر وبادي وجالت خيول جودها في كل بادية ووادي وأمن الناس في ظلها الوارف من كل خوف تالد وطارف تتحرى الصدق والصواب في كل إياب وذهاب وتقيم الصلاة والصوم عند كل يقظة ونوم لها يد عاملة في النظم فارسيا كان أو هنديا ويمنى جارحة في النثر إنشاء سويا ونظمها مضبوط في ديوان ( 3 / 286 ) الشعر وفي ( تذكرة الشعراء ) وقد حرر ترجمتها جمع جم من عصابة الأدباء